المفصلي الحاد بأنواعه. فكان دهاقنة الطب يعرفون عنه انه داء عضال خفيت أسبابه، وعزُّ على الطب التحكم فيه إطلاقاً لأنهم لم يوفقوا إلى اكتشاف العامل الحقيقي الذي يلهب المفاصل بسمومه، ولا عرفوا نوع هذه السموم إلى أن قيض الله لطبيب مصري من هذا الشرق العربي، وهو: الدكتور نجيب فرح المقيم في الإسكندرية ان يكشف هذا العامل الخفي، ويهتك بإظهاره للعلم سلسلة من أسرار المناعة والدفاع لا في داء الروماتزم فحسب بل في غيره أيضاً من الأدواء التي لا يزال العلماء يعالجون خفاياها وحين عقد المؤتمر الطبي العربي أوائل فبراير الماضي في القاهرة تقدم الدكتور فرح إليه بتقرير مستفيض عن أبحاثه التي أعترف له بها دهاقنة أطباء الغرب واستشفوا من ورائها آفاقاً جديدة للطبابة فأورد بالأسلوب العلمي شذرات قد لا يسبر كنهها إلا رجال الطب فرأينا التحدث إلى طبيبنا الوطني استجلاء لحقيقة هذا الاكتشاف. وهكذا تسنى لنا أن نضع هذا المقال، ونحن على جلية مما نعرض
لقد وفق مواطننا سنة ١٩٣٣، وهو يعالج المصابين بالروماتزم إلى العثور على جرثومة البنموكوك ثائرة في دمهم، فاستوقفته هذه الثورة في داء لم يكن يُعرف من قبل أن له بها علاقة مباشرة إذ كان من المقرر فَّنا أن البنموكوك كما تدل تسميته وهي جرثومة ذات الرئة لا يسبب إلاّ التهاب الرئة عند تهيؤ الأسباب له للخروج من استكانته
وعندما لجأ إلى طريقة (نوفلد) للتفريق ما بين البنموكوك والستربتوكِوك (وهي تقوم بإضافة صفراء مرارة الأرنب أو الأملاح الصفراوية في أنبوبة المعمل على هذه الجراثيم فتحل النوع الأول ولا تؤثر على النوع الثاني) خطر له وهو يعاين هذا التفاعل في الأنابيب أن يقيس معدل هذه المادة المعروفة باسم (بيلسيروبين) في دم المصابين فثبت لديه أنها ترتفع ارتفاعاً متفاوتاً في شدته تبعاً لقوة رد الفعل الشخصي دون أن يكون في مجاري الصفراء أي انسداد وفي الكبد أية علة يسند إليها ارتفاع معدل المادة الملونة للصفراء في الدم بالتحول، فأدرك بهذه الخطوة الموفقة أمرين هما الحلقة المفقودة في علة الروماتيزم وفي علل أخرى كما سيأتي البيان. وأثبت أن الروماتيزم الحقيقي إنما هو نتيجة لثورة البنموكوك عندما تضعف مقاومة الجسم، وأن السم الذي ينبعث عنه إنما هو المسبب لالتهاب المفاصل كما أثبت في الوقت نفسه أن ارتفاع معدل المادة الملونة للصفراء في الدم