منها بمجرد حبلها، لأن المادة الملونة للصفراء يرتفع معدلها إطلاقاً في دم الحامل طوال مدة الحمل
وقد حدد الدكتور فرح الأحوال التي تصح فيها معالجة المرضى بالحقن بالمادة الملونة للصفراء والأحوال التي تزيد فيها هذه المعالجة من خطورة الداء؛ وهنا تظهر الدقة البالغة حدها في الاستقراء إذ يتوصل البحاثة إلى تخطئة بعض دهاقنة الغرب في اعتقادهم أن كل روماتيزم يمكن معالجته مطلقاً بالمادة الملونة للصفراء لأن هنالك أنواعاً من الروماتيزم السلي (بونسه) تزيد خطورتها عند المعالجة بالمواد الصفراوية
من الصعب أن يتوصل كاتب إلى تلخيص كل ما أورده الدكتور فرح في تقريره من ملاحظات عززها بالرسوم العديدة المأخوذة عن مجالات المجهر ليبين التفاعل الذي تثيره مقاومة الجسم بين بعض أنواع الجراثيم والمادة الملونة للصفراء؛ فلمن تروق له هذه الأبحاث من غير الأطباء أن يرجع إلى المجلة الطبية حين صدورها ناشرة محاضرات أطباء البلاد العربية ولكل منهم أثر بين في دقة الملاحظة في الموضوع الذي تناوله مما يسجل للنهضة العلمية في الشرق العربي ما يرد قول القائلين بانحصار العبقرية السامية ضمن نطاق الذات المستلهمة وقصورها في الاستقراء والتحليل والاستنتاج في رحاب العلم والتحقيق العملي
إن القصور في نهضتنا لا يتجلى في جهود الأفراد ولا في استعدادهم فكرياً وعملياً، بل القصور كله كائن في هذا التفكك بل التناحر الذي يسود كل فئة من الجامعات في أوطاننا، إذ بينما تجد التضامن سائداً بين تجار البلاد الراقية وزراعها وصناعها وأطبائها وعلمائها وأدبائها لا تعرض لك هذه الفئات عندنا سوى التناحر والمزاحمة مما يؤدي إلى تقلص الهمم وانكماش العبقريات على نفسها. وقلما تجد كاتباً لم تنزل به النوائب من كاتب، أو تاجراً لم يزعزع تجارته تاجر، أو زراعاً لم يقطع أشجاره زارع، أو طبيباً لم يهزأ به طبيب. تلك هي علتنا، وإن نحن سجلناها على أنفسنا فما نقصد مجاراة من قالوا بضعف طبيعة الشرقي ونفور فطرته من كل تعاون، إنما نسجل هذا العيب على أنفسنا، وفي تاريخ أوربا في بدء نهضتها ما يشبه عيبنا بل ما يتعداه بمراحل؛ وليت وقائع كولومبس وغاليله وباستور متوارية وراء غياهب التاريخ. هذا وإننا نرجو آن يأخذ العقلاء بيننا بعبر الأيام