الذي يوحي به إليه أكمل ما وهبه الله وهو العقل، ومعرفة هذا النظام هو أصل الخليقة. يجب على المرء أن يحيا طبقاً لأكمل عضو إنساني فيه وهو العقل الذي يؤلف بين الناس، بينما تفرقهم الشهوات والعواطف والمصالح الخاصة. بسلوك المرء هذا السبيل يصل للسعادة. ليس القصد السعادة الخارجية التي مردها الحظ أو الثروة أو الجاه أو كل ذلك وأمثاله معاً، بل السعادة الداخلية والغبطة النفسية التي هي أسمى ما يطمح إليه إنسان والتي ينالها المرء من التخلق بالفضيلة والوصول للكمال بالقدر المستطاع.
بهذا ونحوه يؤكد فلاسفة ما وراء الطبيعة إمكان استنتاج الأخلاق من تلك الأبحاث. إلا أن هناك صعوبة لا يسعنا تجاهلها تقف دون نزولنا على ما يريدون. أمامنا تاريخ الفلسفة يؤكد لنا بلا ريب أن الآراء في جميع مسائل ما وراء الطبيعة، والحلول التي عرضت لمشاكلها كانت جد مختلفة على نحو لم يعهد في الآراء الأخلاقية التي يرون استنتاجها منها وابتناءها عليها. حقاً من الممكن أن نقرر بلا مغالاة تقارب النظريات الأخلاقية في المثل العليا الأخلاقية؛ هي تأمر بفضائل واحدة، بينما لا تجد مثال هذا التماثل، ولا قريباً منه في حلول مشاكل ما وراء الطبيعة. من السهل أن نأخذ كثيراً من الآراء الأخلاقية عن سقراط، أو أفلاطون أو أرسطو، أو سبينوزا مثلاً دون أن نتقيد بشيء ما من آرائهم فيما وراء الطبيعة. ذلك معناه أن معين الأخلاق ليس فلسفة ما وراء الطبيعة، لهذا نرى أن هؤلاء الفلاسفة في حاجة شديدة لمهارة جدلية فائقة لربط المبادئ الأخلاقية التي جاءتنا عن الضمير الإنساني، والتي أمدتنا بها أمثل التقاليد العالمية الإنسانية بآرائهم في مسائل ما وراء الطبيعة. وإذاً فلنقل بحق إن ربط الأخلاق بما وراء الطبيعة ليس إلا سفسطة في الغالب من الحالات
إذا كان لم يسلم استنتاج الأخلاق من فلسفة ما وراء الطبيعة، كما لم يسلم القول بأخذها من الدين على النحو الذي أسلفنا، فهل من الممكن استنتاجها من بعض العلوم؟ هذا ما رآه (أوُجست كونت) إذ بنى أخلاقه على العلم الذي تنتهي إليه العلوم، وهو علم الاجتماع
علم الاجتماع يقرر أن الفرد ليس إلا أثراً من آثار المجتمع والإنسانية. الإنسانية هي الموجود الأكبر الذي يستمد الفرد منه كل كيان ومقوماته، فهو يتقبل من المجتمع الماضي والحاضر كل ماله وكل ما هو. ما نأكل وما نلبس وما نتمتع به في مختلف مناحي الحياة