للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فنان إلى ما هو أسهل وأبلغ إعجازاً منها في الوقت نفسه. فكم من العيون رأت أبا الهول القديم رابضاً ربضته، وكم من القلوب أحست أيام الثورة بنزعة مصر إلى التوثب، وكم من العقول اهتدت إلى التوفيق بين ما تراه العيون وما تحسه القلوب غير عقل مختار

كان مختار إذن صاحب فكرة، فهل كان من الحس في مقام بدائي في مقامه من الفكر؟

قد يحب أنصاره وأصدقاؤه أن يجاملوه - وعلى الأخص بعد وفاته - فيعترفوا له بهذا الذي أريد أن أتريث قبل أن أقول كلمتي فيه؛ بل الذي لا أريد أن أقول كلمتي فيه إلا بعد أن أحيلهم على تمثال سعد زغلول وأرجوهم أن يصدقوا أنفسهم حين يرجعون إليها بما ينتابهم من الشعور بعد النظر إلى التمثالين، فإن لم يكفهم النظر فليخضعوا إليهما زمناً وليروا: هل يقف بهم مختار حين يقف عند واحد من هذين التمثالين أمام زعيم كانت له مميزات سعد زغلول الصارخة التي أقل ما سجلها له أعوانه وخصومه: جبروته، وكبرياؤه، ونفوذه؟ أما أنا فأتحاشى المغالطة حين أقول إني لا أشعر في وقفتي أمام أي من هذين التمثالين بشيء من هذا الشعور. . .

وما دمت قد عرجت على مختار، فإني أرى أنه من الوفاء لذكراه أن أسجل له إخلاصه لأساتذته المثالين الفراعنة، واصطناعه أسلوبهم الذي يميل إلى الجلال مع التبسط، وهو الأسلوب الذي جرى عليه مختار تماثيله جميعاً، والذي عشقه مختار لأنه كان مصريَّا صادقاً في مصريته، ولأنه أراد باصطناعه أن يفاخر به الأساليب الغربية المتأنقة ليشهد معه أصحابها أن مصر أم الفن القديم لا تزال خصبة لم يصبها عقم، ولم يعبث بأسلوبها الفني القدم، ولم يقلل من روعته مر الزمن

ولقد أنشأ مختار بصنيعه هذا مدرسة جديدة في النحت لهما اليوم من طلبة الفنون الجميلة العليا وخريجيها تلاميذ، وفيها من زملائه المدرسين فيها أساتذة، ولكن الفرق بين مختار وبين أبناء مدرسته هؤلاء أنه شغف حباً بالفن المصري من غير أن يرسم لحبه هذا خطة بينما هم قديمو الخطة ولما يتلاشوا إلى اليوم في هذا الفن كما تلاشى فيه مختار. فأنت لا تجد اليوم واحداً من النحاتين المصريين إلا وتراه يحدثك في إسراف عن الفن القومي، فإذا نظرت إلى التماثيل المصرية التي تنصب في المعارض اليوم تعذر عليك أن تؤمن - مهما تعمدت هذا الإيمان - بأن الذين أنتجوا هذه التماثيل مصريون. ولو أن هؤلاء الشبان ربوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>