أينما يكن الغني يكن السلام، ما في ذلك ريب ولا جدل. ففي أمريكا وإنجلترا، وفي فرنسا وسويسرا، تجد الناس في ظلال الأمن مقبلين على الإنتاج المعمِّر والاستهلاك المرفِّه، لا نكاد نرى بينهم عيناً تحسد ولا قلباً يحقد ولا يداً تجترح
وفي ألمانيا وإيطاليا أصيب الناس بسُعار من الجوع زاده طمع الطاغيتين التهاباً واستكلاباً فانقلب إلى نوع من عبث نيرون أو انتقام شمشون أو مقامرة اليائس الذي يضرب الضربة الحمقاء ليربح الكل أو يخسر الكل!
فلو أن الله أتاح لأبناء برلين ورومه من سعة الدنيا ونفاق التجارة ووفرة المال ما أتاح لأبناء لندن وباريس؛ ولو أن الله لم يبتلي أبناء رومه وبرلين بمن طحنهم بالعمل، وعصرهم بالضرائب، وقهرهم بالحرمان، واتخذ من أجسادهم وأرواحهم وأقواتهم مدافع تقذف بالنار، وطوائر ترمي بالسم، لما رأيتهم يكفرون بالإنسانية ويتنكرون للمدنية، ويفعلون فعل القوي المحتاج: تضطره الحاجة إلى السرقة، وتدفعه القوة إلى القتل، فهم يخرجون اليهود من ديارهم ليأخذوا المال، ويحتلون الأمم بجيوشهم ليملكوا الأرض، ويلقون الدول القوية في بُحْرانٍ من القلق والفزع والذهول، ليضعوا أيديهم الجارفة على أرزاق الدول الضعيفة
رأى خليفة ولسون وهو في دنياه الجديدة السعيدة أن الجوع الذي ولدته الحرب الكبرى في قصر فرساي قد أشتد أسره، وصلب عضله، وفحش طوله، وضخم بدنه، حتى انشق إلى تِنْينين فظيعين لكل منهما مليون رأس، ومليون يد، وفي كل رأس ناب يقطر السم الزعاف، وفي كل يد مخلب ترسل الموت الوحِيَّ. فبعث إليهما برسالة من بقايا النبوة الأولى، فيها الدعوة إلى الحق بالقول اللين كدعوة موسى التي لم تُصِبْ أذناً في مصر، وبالمنطق المؤيد بالقوة كدعوة محمد التي لم تخطيء أذناً في العالم
يطلب الرئيس روزفلت من الجوع المتجسد المتنمر أن يحبس لعابه المتحلب، ويكفكف سعاره المضطرم، ويقبض لسانه اللاهث، ويتخذ هيئة الإنسان ليلتقي بخصومه في مؤتمر عام يجمع والغرب والشرق على المبادئ التي شرعها الله فكفروا بها، والخطط التي نهجها المصلحون فحادوا عنها؛ ثم يضعون لهذه الدنيا المتدابرة المتناحرة سياسة جديدة تجعل أرض الله مضطرباً لكل كادح، وخير الأرض مشاعاً لكل مستغل. ويومئذ يكون الفصل بين