يصحبه نجاح في الحياة مضمون وحظ موفور. فلقد جاء في محاضرة الأستاذ الغطريقي رئيس مكتب تخديم الشبان بوزارة المالية التي ألقاها قريباً بمدرج دار العلوم أنه لا ينجح من شبابنا المتعلمين بمعاهدنا الحكومية ممن يتقدمون للخدمة في الأعمال الحرة كأعمال الشركات والبنوك إلا واحد من كل ثلاثة عشر مرشحاً بينما يؤخذ الباقون من الشبان الذين تعلموا في معاهد أجنبية. فهلا يحق لكل مفكر أن يتساءل ويبحث عن أسباب كل هذا الإفلاس! لا شك أن ذلك راجع إلى نقص جوهري في تربيتنا وتعليمنا. فلقد ذكر حضرته أيضاً أنه حتى هؤلاء القليلين الذين تأخذهم الشركات للعمل فيها تشكوا تلك الشركات سوء نظام الكثيرين منهم وقلة اكتراثهم بالمسئولية وقلة اهتمامهم بالمواظبة والمحافظة على المواعيد الخ الخ
فبين معاهدنا إذن عيوب أساسية كثيرة تستدعي التفكير والعمل، وتستدعي التغيير والتبديل، وتستدعي وضع سياسة تعليمية قويمة يسير الجميع من رجال التعليم على هديها. ولعل من أبرز العيوب وأقوى الشذوذ في نظم تعليمنا قيام المدرسة الابتدائية إلى اليوم بجوار المدرسة الأولية والمدرسة الإلزامية والمعهد الديني الابتدائي وجمعية تحفيظ القرآن الكريم الخ مما يشتت أبناء البلد الواحد في أنواع مختلفة من المعاهد ذات طرائق مختلفة ومذاهب مختلفة وثقافات مختلفة! فالمدرسة الابتدائية بما فيها من لغة أجنبية هي ذلك السدُ المنيع بين المدرسة الإلزامية والأولية من جهة، وبين المدرسة الثانوية والعالية من جهة أخرى، مما لا مثيل له في ممالك العالم أجمع! ونتيجة ذلك أن الطالب المتفوق بين جدران مدارسنا الإلزامية والأولية إذا تعدت سنه العاشرة (وكثير من التفوق لا يظهر إلا بعد هذه السن) استحال عليه إتمام تعليمه تعليماً مدنياً لأن المدرسة الثانوية لا تقبل أحداً من طلابها إلا عن طريق المدرسة الابتدائية حيث اللغة الأجنبية مادة أساسية في جميع سني الدراسة فيها، وفي إقفال أبواب المدارس الثانوية أمام طلاب المدارس الأخرى عدا الابتدائية مضيعة للتفوق والمتفوقين من أبنائنا الذين بدؤوا لسوء الحظ حياتهم التعليمية في مدارس التعليمين الإلزامي والأولي، وقضاء على ذوي الملكات الطيبة منهم وإهدار الكفايات لو استثمرت لجلبت كثيراً من الخير على مصر والمصريين. فما السر يا ترى في وجود هذا السد المنيع الحاجز للمتفوقين من طلاب التعليمين الإلزامي والأولي عن التعليمين الثانوي والجامعي!