هذا السد قد أوجدته السياسة العتيقة من عهد قديم. حتى لا يقوى على ارتقائه إلا العدد القليل من الذين كانت تعدهم المدرسة الابتدائية للعمل في دواوين الحكومة بدليل ذلك التقرير الذي رفعه سنة ١٨٨٠ علي باشا إبراهيم ناظر المعارف إلى مجلس النظار (الوزراء) وقد جاء فيه:
(إن التعليم الابتدائي قليل الاتساع لأنه لم ينشر في أية جهة بين الأهالي ما خلا المحروسة. وهذا لا يسمح للمدرسة التجهيزية بانتخاب تلامذة نجباء ومستعدين للتعليم التجهيزي ويترتب على ذلك أنه لا يوجد إلا عدد قليل من التلامذة الضعفاء جداً الخارجين من الدراسة التجهيزية فتجبر المدارس العالية في أكثر الأحوال على قبول تلامذة لم يستوفوا الحالة التجهيزية اللازمة، ويستمر هذا الخلل عند خروج التلامذة بعد انتهاء مدة الدراسة، ودخولهم في الوظائف العمومية الخ.)
لهذا وجدت قديماً المدرسة الابتدائية إذن على غرار المدرسة الأوربية ولبس أبناؤها الملابس الأوربية، وتعلم أبناؤها اللغة الأوربية، وكانت فرنسية في بادئ الأمر، ثم انقلبت بعد الاحتلال إلى إنجليزية واستمرت إلى اليوم! كل ذلك في سبيل إعداد أبنائها لرغد العيش في وظائف الحكومة بين جدران الدواوين! فلم يكن إذن الغرض من وجودها تثقيف أبناء الشعب أو إعدادهم للحياة العامة، لأن المدرسة الشعبية أو الكتاب قديماً والمدرسة الإلزامية أو الأولية حديثاً هي التي تقوم بإعداد أبناء الشعب لحياة الشعب! وإذن فقد وجدت المدرسة الابتدائية بما فيها من ميزة وهي اللغة الأجنبية لتفصل طبقة الموظفين ولترفعهم إلى مكان خاص بل إلى مركز خاص يمتاز بميزات خاصة عن مركز أبناء باقي الشعب، فهي إذن السد المنيع بين أبناء الشعب وغوغائه وبين أبناء سادة الشعب وحكامه! وهي إذن السد المنيع بين الديمقراطية والأرستقراطية! فهل يصح أن يبقى هذا السد إلى اليوم بعد الوضع الذي أصبحنا فيه؟ هل يصح أن يبقى هذا السد بين أبناء أمة حطمت قيودها وقالت بملء فيها إنها أصبحت أمة ديمقراطية ينص دستورها على المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات، وعلى أن الأمة مصدر السلطات؟ إلا إن بقاء المدرسة الابتدائية بعد هذا يعد مهزلة بين الديموقراطية والديموقراطيين إن كانوا جادين