من ناحية لا غنى عنها لزعيم من الزعماء ألا وهي فصاحة اللسان، فلقد كان هذا الرجل الذي جعل الجهل في مقدمة عيوبه أفصح الضباط لساناً. ولقد كانت الخطابة إحدى ملكاته حتى ليعد من أخطب رجال ذلك العهد لا في الجيش فحسب بل وبين المواطنين جميعاً
أعد الضباط عريضة بمطالبهم ووقع عليها عرابي وزميلاه وذهب ثلاثتهم فرفعوها إلى رياض باشا وإنهم ليعلمون ما كان ينطوي عليه مثل هذا العمل من جرأة في ذلك الوقت، وكان عرابي هو الذي يتكلم باسم زميليه وباسم الضباط جميعاً كما كان سعد يتكلم حينما ذهب مع زميلين له في مستهل الثورة الثانية إلى مقر المعتمد البريطاني يرفع مطالب المصريين عقب الهدنة
وكان رياض يكره سياسة تقديم العرائض مهما كان من عدالة المطالب، وكان يلقي في السجن أو يحكم بالنفي على من يخطون هذه الخطوات كما حدث للسيد حسن موسى العقاد فقد نفي إلى السودان لأنه انتقد إلغاء قانون المقابلة على الصورة التي جاءت بها لجنة التصفية وكما حدث لكثير غيره ممن أخرجوا من مصر بسبب آرائهم الحرة
وقابل رياض الضباط مغيظاً محنقاً وخاطبهم في كبرياء وغلظة كما يقول عرابي في مذكراته فقال لهم:(إن أمر هذه العريضة مهلك وهو أشد خطراً من عريضة أحمد فني الذي أرسل إلى السودان)، وكان هذا الفتى قد نفي أيضاً لأنه طلب المساواة في المعاملة مع غيره من موظفي الديوان محتجاً على ما كان يجري من محسوبية، ذلك الداء الوبيل الذي لا نعرف متى تتخلص هذه البلاد منه!
أما عن فحوى العريضة فإن عرابي يذكر أنه قد طالب بعودة مجلس شورى النواب إلى جانب المطالب العسكرية، ومع أن أكثر المؤرخين يذكرون أن هذا الطلب لم يأت ذكره إلا فيما بعد. ولكن عرابياً يصر على دعواه في كل ما كتب من تاريخ حياته
على أن الأمر الذي غضبت منه الحكومة هو المطالبة بعزل عثمان رفقي فقد رأت في هذا الطلب نوعاً من التمرد فما دخل الجيش في سياسة الحكومة ليطالب بعزل وزير. وقد كانت الحكومة لا ريب محقة في هذا الغضب، بيد أنها من جهة أخرى لم تسلك إزاء هذه الحركة ما كانت تقتضيه السياسة الرشيدة، فكان عليها أن تبحث في مطالب الجيش فتجيب ما كان منها في جانب الحق ثم تقنعهم بعد ذلك بأن ليس من حقهم المطالبة بعزل رفقي