سكت رياض أسبوعين وهو يحاول إقناع الضباط لسحب العريضة وهم يصرون عليها. وغضب توفيق أشد الغضب وأشار عليه المحيطون به باتباع العنف مع الضباط، ثم نمى إلى رياض أن سكوته قد يفسر بأنه ممالأة للجيش وعدم موالاة للخديو. ويقول مستر بلنت في مذكراته إن الخديو أراد أن ينتهز هذا الحادث للانتقام من رياض فيوقع بينه وبين رجال الجيش.
ولما فطن رياض إلى ما قد يفسر به سكوته وافق على محاكمة الضباط، ووقع الخديو على أمر بمحاكمتهم، ودعي وزير الجهادية الضباط الثلاثة إلى ديوان الجهادية بقصر النيل بحجة الاستعداد لحفلات زفاف إحدى الأميرات وهناك ألقي القبض عليهم. . . وبذلك تفتتح لعرابي صفحة في سجل تاريخ مصر
وكان الضباط على علم بما دبر لهم. فلم يكن من العسير عليهم في مثل ذلك الموقف أن يدركوا ما عسى أن تبيته الحكومة لهم من كيد. ولقد قيل أن قنصل فرنسا كان على اتصال بهم فأخبرهم بما عقدت الحكومة النية عليه
واتفق ثلاثتهم مع فرقهم أن تذهب إليهم إذا تأخرت عودتهم عن ساعتين؛ ثم ذهبوا إلى حيث طلب إليهم أن يحضروا، فما كادوا يدخلون وزارة الجهادية حتى ألفوا أنفسهم بين صفوف مسلحة من الجركس فألقي القبض عليهم وسيقوا إلى السجن ثم إلى المحاكمة وقد انعقد لهم مجلس يحاكمهم برياسة عثمان رفقي باشا.
ويحسن أن نورد هنا ما وصف به عرابي موقفهم ساعتئذ قال:(ولما أقفل باب الغرفة تأوه رفيقي علي بك فهمي وقال: لا نجاة لنا من الموت وأولادنا صغار. ثم اشتد جزعه حتى كاد يرمي بنفسه في النيل من نافذة الغرفة فشجعته متمثلاً بقول الإمام الشافعي رضي الله عنه:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظنها لا تفرج
وتمثل عرابي بأبيات أخرى نسبها إلى السيدة زينب رضي الله عنها إلى أن قال: (فلا والله ما كانت إلا هنيهة حتى جاءت أورطتان من آلاى الحرس الخديو وأحدق رجالهما بديوان الجهادية وأسرع بعض الضباط والعساكر فأخرجونا من السجن، ففر ناظر الجهادية ورجال المجلس وغيرهم من المجتمعين وقصدوا جميعاً إلى سراي عابدين)