يسبق للناس عهد بها. وعندما وفق (بكارل وكيري لاكتشاف المواد المشعة كالراديوم، ظن فريق من الناس أن طاقة هذه الأشعة الجديدة التي تزيد مئات وألوف المرات على كل ما نعهده من طاقة وإشعاع، ستكون نهاية ما نعرفه من الغرائب، ولكن عندما اكتشف العلماء، وفي مقدمتهم العالم هيس الأشعة الكونية التي تزيد طاقتها آلاف المرات على طاقة إشعاع الراديوم، أيقنا أننا لا زلنا في مهد الطفولة في العلوم بالنسبة لما يخبئه لنا القدر من معارف يتضاءل إزاءها كل ما بلغناه
هذه الأشعة الكونية التي تتصل بصميم العلوم الطبيعية الحديثة تنبئنا بأغرب ما نعرف من المعلومات عن الكون الذي نعيش فيه. وقد شَغَلتُ نفسي بموضوعها في السنين الماضية عندما كانت موضوع رسالتي الثانية، للحصول على دكتوراه الدولة في العلوم من السوربون. وإنه ليسرني أني حاضرت عنها الأسبوع الماضي فريقاً من طلبة كلية الطب في جمعيتهم العلمية كما سأحاضر عنها جمعاً من زملائي في جمعية المهندسين الملكية في يوم الخميس ٤ مايو القادم. وهأنذا أحاول أن يقف قراء الرسالة في مصر والبلاد الشرقية على أغرب ما يعرفه العلماء اليوم، فأحدثهم عن موضوع بات يشغل بال الكثيرين منهم، وغايتي أن أعطي القارئ لمحه سريعة عن الحقائق المعروفة بصدد هذا الموضوع، وعن التطورات التي تناولته، فيلم بموضوع تزداد أهميته كل شهر عن سابقه، ويهتم له كثير من الباحثين في كل أنحاء المعمورة، نذكر منهم بلاكت في إنجلترا وكونتون ومليكان بأمريكا، ورُوَّسي وتلميذه بيندتي بإيطاليا، وزميليّ بْيِير أوجبيه ولبرانس رينجيه بفرنسا، وأخيراً العالم الإيطالي فرمى الحائز على جائزة نوبل للطبيعة في ديسمبر الماضي
ربما كان وصف هذه الأشعة بالكونية أقرب للواقع، فسوف نرى أنها لا تمت إلى مجموعتنا الشمسية بشيء، بل ربما لا تمت لعالم المجرة المكون من حوالي مائة ألف مليون نجم، والتي شمسنا إحدى نجومه، بأي صلة. وربما كان وصفها (بالأشعة النافذة) قريباً للواقع أيضاً، لأنها تمتاز بقوة اخترقتها العجيبة للأجسام، فبينما نستطيع عندما نتحول في الخلاء أن نحجب أشعة الشمس بقطعة رقيقة من الورق، فإن أسقف بيوتنا لا تكفي لتمنع هذه الأشعة من اختراق منازلنا فحسب، بل أجسامنا بعدها لا تكفي لذلك. وبينما لا تنفذ الأشعة