سنة ٣٩٥ هـ في كتابه جمهرة أمثال العرب، فروى المثل هكذا:(المرء يعجز لا المحالة)، وقال في شرحه: إن المرء يعجز عن طلب الحاجة فيتركها، ولو استمر على طلبها والاحتيال لها لأدركها. فإن الحيلة واسعة فهي ممكنة غير معجزة. ثم يروي أبياتاً جعلها في مقام الاستشهاد على معناه الذي رآه، وهي قول الشاعر:
حاولت حين هجرتني ... والمرء يعجز لا المحالهْ
والدهر يلعب بالفتى ... والدهر أروغ من ثعالهْ
والذي نقوله إن الشعر لا يسعف العسكري بمراده لأن الشاعر يقول: إني حاولت يوم هجرتني أيتها المحبوبة أن أقنعك بالرضا وأن أردك إلى عادة الوفاء لي فلم أفلح، والمرء لا بد عاجز، فهو ضعيف يلعب به الدهر ما شاء، ويغير عليه من إرادته ما شاء. فإذا ما حاول أن يظفر بالدهر ويتغلب عليه راغ منه، وفر كما يروغ الثعلب ويفر من قانصه. فهل يرى القارئ الكريم في الشعر رائحة للتنديد بضعف الإنسان وقعوده عن المحاولة؟ أليس الشعر ناطقاً بأن المحاولة لم تجد صاحبها شيئاً، وأن العجز من شيمة المرء؟ فبان إذاً أن هذا الشعر الذي يستظهر به العسكري على معناه لا يسعفه بمراده. بل إنه يرد عليه زعمه، ويبالغ في تخطئته.
وقد نرى للعسكري مندوحة فيما قال. ذلك أنه لم ينسب الكلمة إلى أكثم، فلعل غيره قالها على هذا الوجه، كما أن شرحه مساوق للفظ الذي أورده (بتعريف المحالة) وكل خطئه إنما كان في دعواه أن الشعر يتمشى مع شرحه الذي رآه. فإذا بالشعر ينطق بغير ما يريد.
وليس في الشعر ما يساعده على رواية المحالة (بالتعريف) لأننا نستطيع حذف أداة التعريف من الكلمة ولا ينكسر الوزن.
والخطأ ظاهر في صنيع الميداني لأنه لفق بين نص وشرح وارد لغير هذا النص.
وهذا الخطأ أظهر في صنيع الشارحين لأنهما نقلا كلام الميداني من غير تمحيص، واستعزا بنقل صاحب اللسان، وصاحب اللسان لم يخطئ في مهمته وهي النقل إذ لم يزد على قوله: ويروى لا المحالة. فهو لم يتعرض لتمحيص الرواية، وليس ذلك من شأنه. ولكنه شأن الشارحين وهما لم يفعلا من ذلك قليلاً ولا كثيراً.
في ص ٧٥: حكى الجاحظ أنه عاد يوماً في وقت القيلولة، والشمس حامية شديدة الوقع