على الرأس. ثم قال: أيقنت بالبرسام فيعلق الشارحان بقولهما نقلاً عن القاموس وشرحه: البرسام علة يهذي فيها. وهو ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد والأمعاء، وهو يتصل بالدماغ. ثم يقولان: ولكنا نظن أن المراد هنا هو الرعن كما هو ظاهر من سياق الكلام. ففي القاموس رعنته الشمس: آلمت دماغه فاسترخى لذلك وغشي عليه
وأمر الشارحين عجيب جداً في هذا المقام، لأن الذي منعاه ليس بممتنع، إذ البرسام كما نقلا علة تتصل بالدماغ. أليس اتصاله بالدماغ كافياً لافتراض نشوئه عن تعرض الدماغ للشمس؟ ثم كيف يغيران على القائل قوله ويوجبان عليه أن يقول ما يريدان؟ أليس القائل هو الجاحظ الذي يعرف اللغة ومدلولات ألفاظها، ويعرف طب زمانه وحدود علله وأسبابها؟ فكيف استساغا أن يقولا له: كان يجب عليك أن تقول فأيقنت بالرعن في موضع فأيقنت بالبرسام؟!
هذا والله أعجب ما رأينا من شأن الشارحين. فهما لم يكتفيا بأن يفرضا علينا آراءهما ويوجباها على طلاب المدارس ومدرسيها بعد أن دمغاها بالصبغة الرسمية التي حصلا عليها لشرحهما، حتى أرادا أن تمتد سلطتهما على الجاحظ وزمنه.
لو أراد الشارحان أن يغيرا على الجاحظ رأيه في معاني الألفاظ وبينا أنه أخطأ المراد في لفظ البرسام لوجب عليهما أن يعودا إلى كتب الطب القديم ليستشيراها في معناه، فإذا وجداه بعيداً عن المقام الذي يتكلم فيه الجاحظ فعند ذلك يقولان له أخطأت المراد وكان الواجب عليك أن تستعمل كلمة الرعن، ولكنهما لم يفعلا شيئاً من ذلك، وكل ما في الأمر أنهما عرفا معنى الرعن فشاءت لهما سلطتهما اللغوية التي يمدانها على طلاب المدارس ومدرسيها، أن يغيرا على الجاحظ رأيه كأنما هما مفتشان أولان على الجاحظ أيضاً
في ص٨٤ ورد ما يأتي:
(وقال لي هذا الرجل: أكلنا عنده يوماً وأبوه حاضر وُبني له يجيْء ويذهب فاختلف مراراً، كل ذلك يرانا نأكل)
وقد ضبط الشارحان كلمة كل في عبارة (كل ذلك يرانا نأكل) بالضم وعلقا على العبارة بما يأتي: (أي كل ذلك حاصل والصبي يرانا نأكل. ويظهر لنا أن العبارة كانت هكذا: كل ذلك وهو يرانا نأكل. فسقط من النسخ (وهو)) أ. هـ