ونقول إن التعسف في التقدير ظاهر جداً وما جر على الشارحين كل هذا إلا ضبطهما لكلمة (كل) بالضم. ولو أنهما أتيا الأمر من أيسر طرقه لضبطا الكلمة بالفتح فتعرف ظرف زمان لأن لفظ ذلك إشارة إلى الزمن المنقضي في المجيء والذهاب والاختلاف مراراً. والقاعدة التي يعرفها حضرتا المفتشين في كتاب (قواعد اللغة العربية) وغيره أن لفظي كل وبعض إذا أضيفا إلى الزمان أعربا أسمي زمان
في الصفحة عينها يقول الشارحان في السطر الذي قبل الأخير (المذار (بفتحتين)). وما هكذا يفعل أهل اللغة لأن هذا الضبط لا يمنع أن تكون الذال مشددة مع الفتح، فيكون ذلك خطأ في ضبط الكلمة. وإنما الذي يقال هو ما ذكره صاحب القاموس وهو قوله: المذار كسحاب
في ص٨٧ في نصيحة خالد بن يزيد لابنه:(وقد دفعت إليك آلة لحفظ المال عليك بكل حيلة ثم إن لم يكن لك معين من نفسك ما انتفعت بشيء من ذلك بل يعود ذلك النهي كله إغراء لك، وذلك المنع تهجيناً لطاعتك)
فيعلق الشارحان على العبارة (وذلك المنع تهجيناً لطاعتك) بقولهما: يعني أنك لو أطعت في حال انصراف نفسك كان ذلك قبيحاً بطاعتك، لأنها تكون إذاً مغتصبة وغير صريحة.
لا، لا أيها الشارحان. إنما المراد: إنك تقف من نهيئ لك موقف الذي لا ينتهي عما نهاه عنه أبوه، وتكون تلك سبة لك بأنك لن تطع والدك، وهذا يشين خلق الطاعة فيك، لأن أولى الطاعة طاعة الآباء
وإن كان من العجب أن يكون هذا رأي الشارحين في عبارة الكتاب، فأعجب منه أن يكونا قد شرحا ما قبلها شرحاً لائقاً بالمقام فجمعا بذلك بين متناقضين في سياق واحد
فقد قالا في شرح العبارة التي قبلها:(يعني أن نفسك إذا لم تقبل على ما وجهتك إليه صار النهي لها بمنزلة الإغراء والحض على ارتكاب النهي عنه)
وهذا منهما حسن يوافق ما أراده القائل للعبارة، فالعجب العاجب أن يعطفا على الجملة وهذا معناها في نفسهما جملة أخرى مناقضة لها على حسب ما شرحا، إذ الأولى أثبتت أنه عصى أباه في نصحه، والثانية أرادا منها أنه أطاعه ولكن بالكره لا بالرضا. فجمعا في كلامهما بين العمل والترك أو بين الضد والضد. فهل شرح كل واحد منهما جملة ثم ضما