عملهما وصفا حروفهما من غير أن يستشير أحدهما الآخر فيما رأى؟ هذا هو الأشبه بعملهما. وفي الصفحة عينها يقول الولد لولده:(وقد بلغت في البر منقطع التراب، وفي البحر أقصى مبلغ السفن، فلا عليك ألا ترى ذا القرنين)
ويعلق الشارحان على هذه العبارة بقولهما: ويشير بقوله: ألا ترى ذا القرنين، إلى قصة ذي القرنين المذكورة في القرآن الكريم، يعني أنا كاف عنه
ولم أر إدماجاً في شرح مثل الذي أراه في عمل الشارحين. إنهما لم يكلفا أنفسهما الاطلاع على قصة ذي القرنين واستخلاص المراد من الإشارة التي يقولان عنها. ولذلك أورد كلامهما بهذا العموم
والذي أفهمه من كلام الأب لأبنه أنه يقول له: إني مجرب عرفت ما في الدنيا وجبت عامرها براً وبحراً فاستفدت تجارب كثيرة وزودتك بخلاصتها. فإذا عملت بها كنت كأنك شاهدت ما شاهدتُ، وجربت ما جربت، وإني في تطوافي بالأرض وجوبي لأقطارها بمنزلة ذي القرنين الذي بلغ مطلع الشمس، فإذا فاتك أن تكون رأيت ذا القرنين فقد رأيت نظيره وهو أبوك
في ص ٨٨ يأتي:
(دع عنك مذاهب ابن شرية فإنه لا يعرف إلا ظاهر الخبر)
وقد علق الشارحان على (ابن شرية) بقولهما: لم نقف لهذا الرجل على خبر في كتبنا، ولم نفهم ما يقصد من مذاهبه؛ وفي نسخة شرية أهـ
وبهذه المناسبة نقول إن الشارحين قد أعلنا عجزهما عن معرفة كثير من الأعلام التي وردت في الكتاب، ونحن نعذرهما في كثير من ذلك لأن الجاحظ يتكلم عن خلطائه، وليس كل هؤلاء قد رزقوا الشهرة حتى تدون أسماؤهم في كتب الطبقات. فهما في بعض ذلك بمنجاة من اللوم؛ ولكن ليس ينبغي أن يسري هذا العجز إلى هذا العلم المشهور وهو (عبيد بن شرية) فهو رجل معاصر لمعاوية بن أبي سفيان وكان عالماً بالأخبار، وكان معاوية يستمع منه قصص الماضين وتدابير الملوك لينتفع بها في ملكه. وقد ورد اسمه في كتب كثيرة نذكر منها الآن من غير استقصاء: معجم الأدباء لياقوت، وفهرست ابن النديم، ومقدمة ابن خلدون وفي الحديث كتاب فجر الإسلام للأستاذ أحمد أمين