للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حياته وجهتها وأثرت فيها تأثيراً جعلها كما هي. والقول بذلك لا يخرج في الحقيقة عن أن يكون مظهر تقليد لبعض ما يكتبه الغربيون. وقد ذكر الأستاذ توفيق السيدة خديجة ونبينا عليه الصلاة والسلام على سبيل التمثيل، واراه في هذا المثال مبالغاً فما تزوج النبي السيدة خديجة لأنه عشقها، بل الذي حدث هو أنه عمل لها في مالها وتجارتها فأعجبت بأمانته وسرها حسن سيرته واستقامته فرغبت هي أن يكون زوجها. وجاءه رسول يدعوه إلى ذلك أو يقترحه عليه وكان هو يعرف لها فضائلها فقبل. وكانت له نعم الزوجة الحكيمة الوفية الرزينة المخلصة. ولكنه ليس هناك عشق بالمعنى المعهود، ولا يمكن أن يقال إنها وجهته أو أثرت في حياته التأثير الذي يقصده الأستاذ توفيق حين يذكر المرأة في حياة الرجل، وإن كان غير منكور أنها كانت إلى حد عامل استقرارٍ وأمن وراحة في حياة النبي. وقد سألت الأستاذ توفيق في كتابي الخاص إليه عن المرأة المعينة في الحياة المتنبي أو أبي العلاء أو الشريف الرضي؛ ولا بأس من سؤاله أيضا عن هذه المرأة المعينة في حياة أبي نواس وبشار ومن إليهما. كلا. ليس من الضروري أن تكون في حياة الأديب امرأة معينة بالمعنى الجنسي وإن كانت حياة الرجل لا يمكن أن تخلو من المرأة على العموم. وفرق بين الأمرين. على أن كل شيء في الحياة ليس عند الأديب أكثر من (مادة) وإن كان الأمر في بعض الأحيان يبدو غير ذلك عند النظر السطحي أو السريع

وقد جعل الأستاذ توفيق مزيتي أو هبتي (الكذب) وأنا أشكر له أن رأى لي مزية أو هبة، ولو كانت (الكذب)؛ وإذا كنت أخلط الخيال بالحقيقة فإني أحسب أن هذا لا مفر منه، ولا أدب إلا به. وما أظن الأستاذ توفيق نفسه يفعل غير ذلك أو يشذ عنا معشر الأدباء (الكذابين) فما كان الأديب قط ولن يكون عدسة آلة تصوير. وإذا كان الأستاذ توفيق يظن أن الأستاذ العقاد لم يفعل في رواية (سارة) أكثر من أن يروي حادثة كما وقعت فإنه يكون قد ركب من الوهم شرَّ الحُمُر؛ فإن مزية (سارة) الغوص في لجة النفس لا الحكاية بمجردها، والكشف عن أخفى خفاياها، والتحليل الدقيق للخواطر والخوالج الخ. ولا قيمة لكون القصة حقيقية أو غير حقيقية وإلا هبطنا بالأدب إلى الإعلانات التي يقول فيها أصحابها إن القصص التي ينشرونها في مجلاتهم وقعت فعلاً

وليس ما يمنع أن تكون في حياة الأديب أو سواه (امرأة) معينة، ولكنه ليس من الحتم أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>