تكون هذه المرأة المعينة زوجة أو خليلة، أي معشوقة على العموم، ولا أن تكون العلاقة بها علاقة جنسية فقد تكون أمًّا أو أختاً أو صديقة أو بنتاً. وقد كانت في حياتي امرأة دللتُ الأستاذ توفيق عليها في رسالتي إليه وهي أمي، فقد كانت أمي وأبي وصديقتي، وليس هذا لأنه لم يكن لي أب، فقد كان لي أب كغيري من الناس، ولكنه آثر أن يموت في حداثتي، فصارت أمي هي الأب والأم، ثم صارت على الأيام الصديق والروح الملهم. وقد استنفدت أمي عاطفتَيْ الحب والإحلال، فلم تُبق لي حباً أستطيع أن أفيضه على إنسان آخر، أو إجلالاً لسواها. ومثلي في ذلك كمثل من يمص عوداً من القصب ويعتصر كل مائه، فلا يبقى من العود بعد ذلك إلا الحطب الذي لا يصلح إلا للوقود. ومن هنا عجزي عن الحب بالمعنى الشائع. نعم أستطيع أن أصادق واصفوا بالود، ولكن العشق على مثال مجنون ليلى أو كما يصفه لنا الشعراء حال لا قبل لي بها ولا طاقة لي عليها لأن ذخيرتي من هذه العاطفة نفدت وليس في وسع نفسي أن تبذل هذا المجهود مرة أخرى
ومع ذلك أقول إني أرى في عاطفتي لأمي غير قليل من جهد الخيال وإرادة النفس، وهي في الأصل ولا شك عاطفة صادقة قوية ولكنه يخيل إليَّ أني غذيتها وقويتها بالإيحاء المستمر إلى النفس، لأني كالخروف دائم الاجترار لما في جوفي. واحسب أن العاطفة قد راقتني وفتنتني إلى حد ما، أو أني وجدت فيها ريًّا لنفسي أنشده فأخطئه، فتعلقت بها وضخمت أمرها، وقويتها بالدؤوب في الإيحاء كما تقوى النار بالحطب حتى استغرقت نفسي كلها وعمرت صدري أجمعه وما أظن إلا أن هذا سبيل كل إنسان فإنه لا يفتأ يقوي عواطفه المختلفة من حب وبغض الخ بالإيحاء وإن كان هو لا يشعر بذلك ولا يفطن إليه
فإذا كان لابد من امرأة في حياة الأديب فهذه امرأة، أفلا تكفي الأستاذ الحكيم؟. ولست بعد هذا (عدواً للمرأة) كالأستاذ توفيق إذا صح هذا عنه، ولم يكن أكثر من إعلان على الطريقة الأمريكية - معذرة يا صاحبي - وأنا أنشدها أبداً ولا أرى الحياة تطيب، أو يكون لها معنى إلا بها، ولكني لا أطمعها في الحب المستغرق الآخذ بالكلْيَتين، لأنه لا قدرة لي على ذلك، ولأني أشد اعتزازاً بحريتي وحرصاً على استقلال شخصيتي من أن أسمح بأن تتسرب نفسي في نفس أخرى أو تفنى فيها أو تجعلها محور وجودها. ولكل امرئ منا طباعه وفطرته، وأنا في طباعي هذا التمرد الساكن الذي ليس فيه ضجة، وتغليق الأبواب التي