إعلان الحرب على الرجل الذي ألهمه فنه إذ هو طفل أو غلام في السادسة عشرة حينما كان يذهب إلى المسرح في حرقة وتشوق للتمتع بدرامات يوريبيدز؟ إنها مأساة دامية تذيب نياط القلوب بما حشده فيها يوريبيدز من العواطف المتضادة المتنافرة، وألوان القسوة التي لا تتورع المرأة من ارتكابها في سبيل لذتها وحبها. إنها مأساة مشتقة من خرافة جاسون التي لخصناها للقراء منذ عامين. ثم هي حلقة مكملة لمأساة أخرى نظمها يوريبيدز في التاسعة والعشرين وسماها: بنات بلياس
وجاسون ابن ملك تساليا هو بطل الدرامتين، وقد كان له عم يدعى بلياس طمع في الملك واستعان على أخيه بجيش أجنبي فخلعه وتولى هو مكانه. ثم قبض على الملك وزوجه وأقام عليهما رقابة شديدة صارمة. وأرسل الملك المخلوع ولده الطفل جاسون إلى السنتور الخرافي شيرون ليعلمه الفروسية. حتى إذا شب ذكر له ما كان من عمه مع والديه، وأهاب به أن يثأر لهما ولنفسه وأن يخلع ويتربع هو على العرش لأنه به أحق. وعاد جاسون بعد إذ استوى عوده وزوده أستاذه بالنصائح الغالية، وأوصاه بمكارم الأخلاق، وأن يحترم كلمته ويبر بوعده. وقد فوجئ بلياس الظالم بحضور ابن أخيه، وكانت نبوءة قد حذّرته منه لأنه سيكون سبب قتله، فلما طلب إليه جاسون أن يخلي له مكانه من الملك عمد بلياس إلى الحيلة، فانتهز فرصة غناء المطربين، وإنشاد المنشدين في حَفل كان قد أقامه لعقر القرابين للآلهة، ولفت انتباه جاسون إلى قصة الفروة الذهبية التي يحتفظ بها الملك إيتيس - ملك البربر ووالد ميديا - وحرضه على الحصول عليها. واستثار فيه نخوة الشباب وخيلاءه، فوعده جاسون بها. وبعد مجازفات وصعاب ومحن وصل جاسون إلى الملك إيتيس حيث لقيته ميديا فمالت إليه؛ بل جنت به، حتى إذا عرفت ما جاء له وعدته بالمساعدة، وكانت تعرف من فنون السحر ما تتغلب به على كل محال. فأعدت له مخدّراً أدناه من التنين الهائل الذي كان يحرس الفروة الذهبية فاٍستغرق في سبات عميق. وذبحه جاسون وحمل الفروة الذهبية وفر بها مصطحباً ميديا وأخاها الصغير أبستروس حتى إذا كانوا عند البحر ركبوا في السفينة التي أعدها جاسون لهذا الغرض - وكان اسمها الآرجو - فأقلعت بهم تحت جنح الظلام
وفي الصباح اكتشف الملك إيتيس الأمر فجن جنونه لفرار ابنته، ثم لأنها صحبت معها