أجل لذاتها أسوأ مما صنعت ميديا التي خانت أباها في كنزه، وذبحت أخاها وولى عهده، وفرت مع عدوه، ثم مكرت ببنات بلياس فهيأت لهن قتل أبيهن، ثم لم تتورع من أن تقتل طفليها غير آبهة ببكائهما الذي يفتت الصخر لا الكبود وذلك لتتم لها اللذة المجرمة الفتاكة، لذة الانتقام، كما تمت لها الآلام والنكبات لذة الحب. . .
وكان يوريبيدز بارعاً في جميع دراماته التي شنّ بها حربه السيكولوجية على المرأة والتي سنعرضها في الفصول التالية، فأنت لا تقرأ له درامة من تلك الدرامات إلا وتنتهي منها إلى الرثاء للمرأة مهما تكن شريرة عاتية، بل ربما أعجبت بهذه المرأة الشريرة العاتية وشعرت بالعطف عليها، وتمنيت لو كانت خاتمتها خيراً لولا ذلك الأسلوب البارع الذي يسلسل فيه يوريبيدز حوادث مآسيه، والذي يقتضي تلك الخواتيم التي لا يكون محيص منها ما دامت الحوادث تتسلسل هكذا!
لقد جعل أرستوفان من يوريبيدز موضوعاً لكثير من مهازله. وقد حفظ لنا الأثر ثلاثاً من هذه المهازل كلها عن يوريبيدز، وقل أن تجد لأرستوفان مهزلة غير هذه الثلاث لم يتعرض فيها ليوريبيدز بنكتة أو غمزة أو سخرية. . . وكان يوريبيدز يتألم أشد الألم وأبلغه لسخرية الشعب به، وتهكمه على أفكاره، حتى إذا طفح الكيل، لم ير بداً من الهجرة إلى مقدونيا كما سيمر بك