لقبه الرسول (بأول ثمرات اليونان)(ولقد كان عبداً إغريقياً أعتقه سيده فجمع ثروة عظيمة بطريق تجارته الرابحة). وذلك أنه لما عزم صهيب على الهجرة من مكة استوقفه أهلها وقالوا له:(أتيتنا صعلوكاً حقيراً فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك، والله لا يكون ذلك) فقال لهم صهيب: (أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟) قالوا: (نعم)، وهاجر هو تاركاً كل ثروته. ولما بلغ محمداً صلى الله عليه وسلم الخبر قال:(ربح صهيب، ربح صهيب)
أخر محمد صلى الله عليه وسلم هجرته من مكة - قاصداً بذلك ولا ريب أن يصرف أنظار أعدائه عن أعوانه المخلصين - حتى تنبه إلى مؤامرة مدبرة ضده، وأدرك أنه إن أبطأ في الهجرة ربما قضي عليه، فعمل على الهجرة بحيلة
وكان أول ما فعل بعد أن وصل إلى يثرب أو المدينة كما سميت بذلك منذ تلك الحادثة (مدينة الرسول) أن بنى مسجداً ليكون مكاناً للعبادة، وموضعاً لاجتماع أتباعه، وكان المصلون أولا يولون وجوههم شطر بيت المقدس، وربما كانت هذه سياسة اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم لاكتساب اليهود. وقد حاول محمد (ص) بطرق أخرى مختلفة أن يجتذب إليه اليهود، فقد أمر باحترام كتابهم المقدس، ومنحهم حرية العبادة، والمساواة في المعاملة، وحاول أن يصافيهم ولكنهم قابلوا كل ذلك بالتحقير والتسفيه. ولما أصبح الأمل في إدماجهم في الإسلام عقيما واتضح أن اليهود لن يعترفوا بمحمد (ص) رسولاً لهم، أمر محمد أتباعه أن يولوا وجوههم في صلواتهم شطر الكعبة بمكة (قد نرى تقلب وجهك في السماء، فلنولينك قبلة ترضاها، فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره، وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم، وما الله بغافل عما يعملون، ولئن أتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين)
ولقد كان لتغيير القبلة في الصلاة مغزى أسمى مما يظهر لأول وهلة، فقد كان ولا شك مبدأ حياة جديدة في الإسلام. إذا أصبحت الكعبة في مكة المركز الديني لكل المسلمين كما كانت منذ الأبد مكان الحج لكل قبائل جزيرة العرب. وهناك مغزى آخر شبيه بالسابق في أهميته، وذلك هو إدماج عادة العرب القديمة - الحج إلى مكة - ضمن ما افترضه الإسلام وذلك لأن الحج فرض على كل مسلم مرة واحدة على الأقل في العمر