وهو ابن زوج حرمه المتوفى، قد وضع له السم في اللبن بإيعاز غلام جركسي آخر من غلمان الخديو، ولولا أن تنبهت الخادمة لراح عبد العال ضحية هذا الغدر الأثيم
وكذلك سمع الضباط أن الحكومة تنوي أن ترسل الآلاي السوداني بقيادة عبد العال بك إلى السودان، بحجة أن القوة الموجودة فيه غير كافية لحفظ النظام. فأحس الضباط من ذلك أن النية متجهة إلى تشتيتهم للقضاء عليهم متفرقين
واتهم تسعة عشر ضابطاً أحد رؤسائهم بأمور نسبوها إليه أثبت التحقيق بطلانها، فأبعدتهم الوزارة عن مناصبهم. فبادر الخديو بإعادتهم، الأمر الذي حنق له زعماء الجيش. إذ رأوا فيه أن الخديو إنما يعضد حركة التمرد في صفوف صغار الضباط ويستميلهم إليه ضد رؤسائهم.
وترامى إليهم أن الخديو يمرن حرسه في الإسكندرية على إطلاق النار، وأنه يشهد ذلك بنفسه وينثر الذهب على الجند متظاهراً بمكافأة المجيدين في إصابة المرمى؛ ولن يفسر مثل هذا العمل في ظروف كهذه إلا بأنه استعداد من جانب الخديو لما هو مقبل عليه من قمع وبطش.
هذا بينما أرادت الوزارة أن تسخر الجند في الآليات الأخرى في حفر الرياح التوفيقي، وكان عليهم أن يسلموا أسلحتهم إلى مخازن الجهادية قبل ذهابهم إلى ذلك العمل؛ ولقد رفض عرابي الموافقة على ذلك، وأيده البارودي وزير الجهادية
وأرسل الخديو من الإسكندرية كما يقول عرابي في مذكراته على فهمي رئيس الحرس إلى زميليه في القاهرة ليقول لهما إن الخديو يرغب في عزل البارودي لما رأى من ذبذبته وسوء سياسته، وإن الخديو يعطف على مطالبهم (فهم ثلاثة وهو رابعهم) وإن سموه يطلب ألا يعلم أحد بإيفاد علي بك.
وعزل البارودي فعلاً، وكان رياض قد أمره أن يبعد عرابياً وعبد العال بفرقتيهما من القاهرة، فأبى عليه ذلك
وجاء إلى البارودي، وكان بالقاهرة، أمر أن يسافر فوراً إلى عزبته.
ولقد كان البارودي على صلة برجال الجيش ينبئهم كما أسلفنا بكل ما تريد الحكومة بهم، واتفق معهم أن يكون خروجه من الوزارة علامة اقتراب الخطر.