يقذفان عنصر الإيرانيوم بإشعاع تقل درجة اخترقه عن الأشعة الكونية، فماذا جرى في الأهرام منذ بنائها؟ وماذا تكوَّن فيها من ذرات جديدة لم تكن في عداد ذرات أحجارها الأولى؟
كانت الأشعة الكونية موجودة بلا شك منذ القدم، وهي ما تزال تحدث أثرها في كل زمان ومكان، تحدث هذه الآثار في الأهرام كما تحدثها على قمم الجبال أو على سطح البحيرات بعيداً في أعالي النيل، ومع ذلك لم تكن معروفة للإنسان إلا منذ عهد قريب، وقد تمضي سنون عديدة قبل أن نعرف شيئاً وافياً عن أثرها في المادة التي تقابلها، أو عن أثرها في حياتنا. ولا شك أنه عندما نخطو هذه الخطوات تتغير معارفنا، بل تتغير إلى حد أساليب استعمالنا الأشياء، ويرى اللاحقون بنا جيلاً يختلف عن الجيل الذي نعيش فيه
تبدأ معارفنا الأولى عن الأشعة الكونية في سنة ١٩٠٠، فمنذ ذلك الحين كانت الظاهرة المسماة (التَّأيُّن المتبقي) معروفة لدى الطبيعيين، وتبدأ الأعمال الخاصة بهذه الظاهرة بالعالمين الستر وجيتل اللذين بينا بطريقة دقيقة كما بين العالم الكبير س. ت. ر. ولسون منزلاً في البحث عنهما، أن الهواء الجاف المحصور في وعاء مقفل ليس عازلاً كهربائياً تاماً، بل إنه موصل كهربائي، مهما كان ضعيفاً، فإنه لا شك في حالته الكهربائية، ومعنى هذا أن لكل حجم معين من غاز مصون من جميع الأشعة كالأشعة السينية (أشعة قدرة على التَّأيُّن أي على التوصيل الكهربائي، وبعبارة أخرى تظهر في الغاز شحنات كهربائية تمثل أو تدل على ظاهرة غير مفهومة. هذه المعلومات الأولى جعلت العالم س. ت. ر. ولسون يظن أن إيجاد اليونات ? في الهواء الخالي من جميع المواد المعلقة (كالأتربة الرفيعة) قد يُعزى لإشعاع خارج عن الغلاف الهوائي المحيط بكرتنا الأرضية، إشعاع شبيه بأشعة رتنجن أو الأشعة الكاثورية ولكن له قوة اختراق عجيبة
وقد شاءت الظروف أن ننتظر سنين طويلة، ليكون هذا الإلهام أو الوحي الذي أوحى به هذا العالم حقيقة لا تقبل الجدل، بل شاءت الظروف أن يمضي عشرة أعوام قبل أن تتحقق التجارب الأولى التي تفسر بمقتضاها هذه الظاهرة التي تحدث من تلقاء نفسها وبدون عوامل تتعلق بالأرض أو ما يحيط بها
وتنحصر التجارب الأولى في قياس الوقت الذي يمر لتفريغ