لقد كان يوريبيدز جباراً في ميديا سنة ٤٣١ بقدر ما كان جباراً حتى في أرق دراماته وأروع مآسيه (هيبوّليتيس) التي غزا بها ميدان الحب الباكي الحزين، والتي نال بها أولى جوائزه الرسمية سنة ٤٢٨ أي بعد ميديا بثلاث سنوات. ومأساة هيبوليت هذه هي تلك المأساة الغرامية الأولى التي خلصت كلها للحب بعد إذ كان المسرح اليوناني لا يعرف هذا اللون من ألوان الدرام. . . فكانت مفاجأةً مربكةً من يوريبيدز وثورة، ولكن من النوع اللذيذ المحبب، على تقاليد البيئة الجافية التي عرفت المسز جراندي قبل أن يعرفها العصر الفكتوري بثلاثة وعشرين قرناً. . . فيدرا زوجة ثيذيوس الملك، تحب ابنه هيبوليت الشاب الجميل اليافع، لأنها هي أيضاً شابة جميلة يافعة، ولأن زوجها رجل شيخ وإن كان بطل أبطال اليونان! هذه هي المأساة!! فكيف يجرؤ يوريبيدز على تناول هذا الموضوع الغرامي الشائك في درامة تعرض على الجمهور الأثيني الذي كانت تسيطر عليه المسز جراندي الرجعية المحافظة الشديدة الحفاظ على آداب السلف الصالح؟ وكيف يكون أجرأ من سقراط الذي كان لا يرى أن تشارك المرأة في الحياة العامة، بل أن تظل نسياً منسياً. بل كيف يكون مقاحماً أكثر من بركليس ممثل العصر، وصاحب نهضته الفكرية، ورمز مدينته؛ وبالرغم من هذا كان يوصي أن تظل الفتاة قابعة في عقر دارها، متجملة بسنن السلف وتقاليده. . . لكن يوريبيدز كان سوُفسطائياً قبل كل شيء، والسوفسطائيون كانوا (صناع الحكمة) كما تدل عليه كلمة التي تعني الحكمة أو أي الفضيلة، والتي اشتق منها اسمهم أي الناس الذين يتناولون البحث في الحكمة. وليس صحيحاً أنهم كانوا ثرثارين كما اتهموا بذلك ظلماً، ولكن الصحيح أنه كان منهم العظماء وغير العظماء، وكان منهم الكبار، وكان منهم الأحداث، وكان منهم الأغنياء وغير الأغنياء، وكان منهم كل صنف من صنوف الشعب؛ لكنهم كانوا جميعاً ينشدون الحق، ويهذبون الناس، وينشرون النور، ولا يبالون في سبيل ذلك مصادرة ولا نفياً ولا تقتيلاً. ويقولون إن يوريبيدز كان يتأثر بسقراط ولو لم يختلط به، وكان تأثره بالفيلسوف العظيم ينعكس في دراماته. كما قيل من أن شاكسبير كان يتأثر ببيكون، وإن يكن ما يقال عن هذين يعدو حدود التأثير إلى حدود النّحل. فالمبالغون من مؤرخي الأدب الإنجليزي يدّعون أن أكثر درامات شاكسبير هي من تأليف بيكون، وإنما نحلها شاكسبير نفسه. . . ونحن ننفي أن يكون يوريبيدز قد تأثر بسقراط في كثير أو