١٠ - أما إفجنيا في توريس (٤١٣ق. م) فهي بقية قصة إفجينا؛ وفيها يعرض يوريبيدز لوناً صارماً من ألوان العراك الداخلي الذي يشب في نفس الفتاة بين السخط على قومها الذين أوشكوا يقتلونها لغير ذنب وبغير جريرة، وبين محبتها الطبيعية لوطنها هيلاس فخر الأوطان. لقد ذهبت بها ديانا (أرتميس) إلى ملك التوريين (غير الطورانيين) لتكون كاهنة لمعبدها هناك، وقد أكرم الملك مثواها، وعهد إليها بإعداد الغرباء لتحريقهم بالنار (لأن هذا كان دأب الملك، فكل غريب أو أجنبي يحل بأرضه وخصوصاً إذا كان إغريقياً) أحرقه بالنار. ثم يحدث أن يكون أول غريب يعهد إليها بأعداده للتحريق هو أخوها وشقيقها أورست الذي طارده قومه بعد قتله أمه. . . لقاء هائل بعد سبعة عشر عاماً. . . تتحرك العاطفة، وتترقرق الأحاسيس في الدماء. يعرف كل منهما الآخر فيبكي. . . يا للمشهد المؤثر الذي يرتفع فيه يوريبيدز إلى القمة!!
ثم تطمئن الفتاة أخاها وتدبر له طريق الهرب إلى شاطئ البحر حيث القارب المعد لفرارهما، وحيث البحارة الأمناء!
هذه طائفة من نساء يوريبيدز عرضها في دراماته عرضاً شاقاً يمتزج فيه الشعر بالأخلاق بالسيكلوجية، بطريقة أهاجت عليه البيئة الأثينية عامة، ونسائها خاصة، لأنها بيئة محافظة لم تتعود أن تُشرح أسرار نسائها على المسرح على هذا النحو الذي أنتحاه يوريبيدز فأخجلها وأغراها به.
وكم كان بودنا لو خلصنا لكل من هذه الدرامات بفصل خاص حتى نتفادى تشويهها بهذا العرض السريع لولا ما نتوخاه من عدم الإملال، وما نخشاه من فتور نشاط القراء.