بالكشك متابعة للأتراك فقال (وكان مقام السلطان سليم بالروضة وبنى له كشكاً فوق قاعات المقياس وهو مشرف على بحر النيل والروضةوالمقياس، ولما رحل السلطان سليم منه أقفل ومنع من يجلس فيه حرمة لمولانا السلطان سليم). وروى قطب الدين الحنفي في تاريخ مكة المسمى بالاعلام أنه راى بيتين من الشعر كتبهما السلطان سليم بخطه على رخامة بهذا (الكوشك) مدة مقامه به فقال (ورأيت بيتين بالعربي بخطه الشريف كتبهما في علو المقياس في (الكوشك) الذي أمر ببنائه لما افتتح مصر وسكن الروضة وقد انمحى لطول الزمان مداده، ومال إلى لون البياض سواده، وكان هذا (الكوشك) محترما مقفلا لا يصل إليه أحد لعظمة بانيه، ولا يبتذل بالدخول إليه تعظيما لراعيه، فلما قدمت مصر في سنة ٩٤٣ وكان يوم كسر النيل السعيد ففتحوا هذا الكوشك لبكلربكي) مصر يومئذ خسرو باشا وكنت مصاحبا لمعلمه مولانا عبد الكريم العجمي فطلع وأطلعني معه في صحبة خسرو باشا المذكور فرأيت مكتوبا على الرخام الأبيض كتابة خفية لا تكاد تظهر إلا بتأمل، هذين البيتين وهما
الملك لله من يظفر بنيل غني ... يردده قسراً ويضمن منه ما أدركا
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة ... فوق التراب لكان الأمر مشتركا
وتحتهما ما صورته (كتبه سليم) بذلك الخط وذلك القلم ولعمري أن كان هذان البيتان من نظم المرحوم فهما غاية في البداعة، ونهاية التمكن من الصناعة، فيدل على تمكنه رحمه الله أيضا في اللسان العربي لأنهما من أعلى طبقات الشعر العربي الفصيح لبليغ المنسجم وإن كان قد تمثل بهما وهما لغيره فهذه أيضا مرتبة عالية في حسن التمثيل ولطف الاستحضار لفهم الأشعار العربية والذوق لها وهذا القدر يستكثر على علماء الروم وعلماء العجم المكبين على علوم العربية فضلا عن سلاطينهم المشغولين بضبط الممالك) انتهى. قلنا البيتان معروفان لأبي العلاء المعري في لزوم ما لا يلزم وصحة العجز في البيت الأول (يردده قسرا وتضمن نفسه الدركا)، وأما القصر وما يتبعه من الأبنية فلم يبق لها أثر ودخلت كلها في قصر حسن باشا المناسترلي وحديقته.
الجزيرة في حكم الأسرة المحمدية العلوية:
في زمن العزيز محمد علي أنشأ ولده العزيز إبراهيم في خرطوم الجزيرة الشمالي بستاناً