أسعد بك قال: أنه يضارب الآن بجنون ويخسر خسائر فادحة.
وحلت الإجازة السنوية وانقطعت عن زيارة القهوة ثلاثة أشهر كاملة ولما عدت إليها رأيت كل شئ فيها لم يتغير. وكانت مائدتي المختارة في موضعها بجوار الجدول تظلها أغصان الشجرة العتيقة. فكأنني لم أفارقها إلا منذ ثلاثة أيام. واستقبلتني الوجوه التي أعرفها كل بابتسامته الخاصة. وألتفت حولي مشرق الوجه وأنا أقول:
- كل شئ كما هو!
وبغتة قلت لعويس الذي كان يمسح مقعدي في هرج وسرور ويهيء نفسه لمسح حذائي. .
- أين أسعد بك؟
فتوقف عن عمله ورفع بصره إلي وقد غابت ابتسامته وانقطع ضجيجه المرح وقال بلهجة قابضة:
- ألم تسمع عنه شيئاً؟
- كلا
- لقد أرسلوه إلى المارستان. كانت حالة المسكين في المدة الأخيرة عبرة. وكنت أنا الذي أعتني به.
- ما هذا الكلام؟
- الحقيقة ما أرويها لك.
- وهل يمكن أن نزوره في المارستان؟
ومد عويس صندوقه تحت قدمي وبدأ يمسح في هدوء. وقال في لهجة غريبة:
- كلا يا سيدي لا تستطيع أن تزوره. . . لن تراه أبداً. . ونكس رأسه. . . فنكست رأسي أنا أيضاً وبدأت أستغرق في تفكيري الحزين.