تودد الجنود إليه من الاحتفاظ بتفضيله لي، فكان يصافح رفاقي فرداً فرداً إلى ان ينتهي إليّ فيطوقني بذراعيه الصغيرتين ويقبلني تكراراً، أنا الغريب. . . أنا العدو! ويطرح جسمه الناحل على صدري.
وجاء يوم السفر. انتهت أيام الراحة وحان وقت العودة إلى الجهاد، فقلت للطفل وكان جالساً أمامي في الباحة الواسعة عند المساء: غداً سأسافر قلت هذا متكلفاً السكون وفي قلبي ثورة وغصص، فهب الطفل من مقعده مضطرباً هاتفاً:
- ولكنك ستعود
- لعلني أعود
- متى؟ بعد غد؟
- قد لا أعود أبداً
فصرخ الولد مذعوراً: أبداً. . . لا. لا أريد، فسوف تبقى وطوقني بذراعيه كأنه يريد تقييدي
وامتنع كوكو ذلك المساء عن الذهاب إلى بيته فرجوت مربيته الشيخة أن تسمح له بالبقاء عندي فرضيت وقالت:
- إن أمه قد انتحرت شنقاً هنا وراء هذا الباب بعد سفر أبيه إلى الحرب إذ لم يقو دماغها الضعيف على مقاومة هذه الصدمة وأمضى كوكو ليلته مضطرباً فكان يتقلَّب ويهذي مردداً الاسم الذي لقبته به
وعند بزوغ الفجر نهضنا من الرقاد وبدأنا بإعداد لوازم السفر على نور الشموع المرتجف، وكان كوكو جالساً يتبع حركاتي وسكناتي بلفتاته الواجفة
ولما هممنا بالخروج هرع الطفل إلىّ قائلاً:
- ستعود
فأجبته متمالكاً روعي: أرجو أن أعود
وسحب يده الصغيرة من يدي وتولى. وبينما كنت سائراً مع رفاقي في الساحة كان الولد يتقدم نحو مسكنه يتوقف أحياناً دون أن يلتفت إلينا
وقطعنا القرية بخطواتنا العسكرية فكانت تفتح النوافذ وتلوح منها أوجه المتفرجين عليها