عابدين مع ما يمكن الاعتماد عليه من الحرس الحربي، وأن يضع نفسه على رأسهما. فإذا ما وصل عرابي قبض عليه بشخصه. فأجابني أن لدى عرابي بك المدفعية والفرسان، وربما أطلقوا النار فأجبت أنهم لن يجرءوا على ذلك؛ ومتى توفرت له الشجاعة للمقاومة، وعرض نفسه شخصياً، فأنه يتسنى له أن يقضي على المتمردين، وإلا فأنه ضائع)
هذا ما أشار به كلفن، وما نراه في ذلك يدفع بالتي هي أحسن، وما نراه يحمل - كما يقول كرومر - إلى الخديو:(قسطاً من تلك الروح التي تحيي جنسه الإمبراطوري) وإنما نراه يلقي الزيت والحطب على النار حتى لا تبقى ولا تذر، وبعدها تقتنص الفريسة بدعوى إنقاذ البلاد من نار الفتنة. وما أظن ذلك القول محتاجاً إلى دليل. فهذا الذي يدعو إليه كلفن لو وقع لن يكون إلا حرباً أهلية شرها مستطير، وأمرها خطير:
وتوجه الخديو إلى عابدين قبل حضور الفرق، ومعه كلفن ورياض وستون باشا. فاستدعى علي بك فهمي رئيس الحرس، وأشار عليه بالدخول إلى القصر بفرقته والتحصن بالنوافذ العليا وقد نصح للجند بقوله:(أنتم أولادي وحرسي الخصوصي، فلا تتبعوا التعصب الذميم، ولا تقتدوا بأعمال الآلات الأخرى) فأطاع الجند وأخذوا يتأهبون.
وسار الخديو بعد ذلك إلى القلعة، ولكنه لم يجد من فرقتها مثل ما ظهر له من ولاء الفرقة السالف ذكرها. فسار إلى العباسية حيث كانت فرقة عرابي، ولكنه علم هناك أن عرابياً سار منذ ساعة على رأس جنده، ومعهم المدافع بطريق الحسينية إلى عابدين فقفل أدراجه إليها. . .
وتلاقى عرابي في ميدان عابدين بالفرق الأخرى بقيادة أحمد بك عبد الغفار وعبد العال بك حلمي وإبراهيم بك فوزي وفوده أفندي حسن وغيرهم من أنصاره، وأرسل عرابي يستدعي علي بك فهمي فحضر من داخل القصر فعاتبه فرد بقوله:(إن السياسة خداع) ثم ذهب فعاد بفرقته، وانضم إلى الجيش فأصبح القصر خلوا من كل عناصر المقاومة.
وتجمع وراء صفوف الجيش آلاف من أهل القاهرة الذين أخذتهم الدهشة لا ريب لهذا المنظر؛ واشرأبت أعناق الشعب التي طالما ألفت الذل، وتطلع من فوق أكتاف الجند، ومن خلال صفوف الفرسان لينظر ماذا يكون في هذا الوقف الرهيب؛ وأسم عرابي يجري على الألسن في حين تدور الأبصار باحثة عن موضعه، وهو على ظهر جواده أمام جنده يتأهب