للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمثلة وما تنطوي عليه من مقارنة

ولو أني ذكرت للقارئ أن الإلكترون هو من الضآلة والصغر بحيث أن النسبة بين كتلته وبين كتلة أحد أزرار البدلة التي يرتديها، كالنسبة بين كتلة هذا الزر وكتلة الكرة الأرضية بأسرها، لعجب القارئ كيف أمكن معرفة شخصية هذا الجسيم المتناهي في الصغر ورسم مساره على الورق الحساس، وكيف يمكن أن نسمع بمروره بيننا، هذه أمور يحار لها العقل

هذا الإلكترون (الوحدة السالبة للكهرباء) وشقيقه البروتون (الوحدة الموجبة) يصل كل منهما بسرعة كبيرة وتتركب جسيمات الأشعة الكونية منهما. ولكل من هذه الجسيمات طاقة تفوق حد الوصف، ومع ذلك فبرغم صغرها وسرعتها يتمكن العلماء اليوم من تسجيل مرور كل منها على حدة ومن رسم مساراتها وسماعها عند مرورها، وهم يضعون لذلك وفي طريق هذه الجسيمات من شباك الصيد والأجهزة الدقيقة ما يساعدنا على سماع إنذار عند مرورها، ومن رؤية آثارها في المادة، وتسجيل الطريق التي مرت فيها

ولعل هذا يدعو القارئ إلى شيء من الدهشة يزيد على دهشته عند استماعه من الراديو حفلة غناء تدور حوادثها بعيدة عنه وهو واقف بسيارته في قلب الصحراء

هذا الإلكترون، الزائر العجيب، كان هدف العلماء؛ هذا الطائر السريع الآتي من عوالم بعيدة ما زلنا لا ندرك مصدرها، كان ولا زال محل اهتمام العلماء لتحقيق شخصيته، وقدرته على اختراق المادة وإحداث التفتت الذري فيها - هذا الجسيم الذي ربما بدأ رحلته حول الكون قبل بدء العصر الكمبري، وهو العصر الذي لم يترك لنا أي أثر من الكائنات الحية على الأرض، لا زال محل بحث المعامل قاطبة لمعرفة كنهه وأثره وطبيعته

ومن يدري! فقد يكون الوقت الذي استغرقته عملية نشوء الكائنات الحية وتطورها من انفيبيا إلى أسماك، ثم إلى زواحف وطيور وثديات وإنسان، لا يُعد إلا فترة بسيطة بالقياس إلى الزمن الذي قطع فيه هذا الجسيم رحلته الطويلة حول الكون المقفل على نفسه ومع ذلك فقد وصل إلى مكان وجد فيه إنسان مُفكر، يستطيع أن يقف على شيء من دخائل هذا الجسيم الصغير، أن يكشفه، أن يرى مساره، أن يستمع مروره؛ بل يضع له شباكاً من ألواح الرصاص السميكة ويرى رأى العين كيف يخترقها طوراً ويتعثر فيها تارة، بل يرى

<<  <  ج:
ص:  >  >>