قشتالة معاهدة خلاصتها أن يتولى أبو عبد الله الملك في طاعة ملك قشتالة، وأن يدفع له جزية سنوية، وأن يطلق كل عام عدداً معيناُ من النصارى، وأن يدفع مقابل إطلاقه فدية كبيرة وأن يفرج في الحال عن أربعمائة من أسرى النصارى يختارهم ملكهم، وأن يقدم المعاونة العسكرية كلما طلبت اليه، وأن يقدم ابنه الوحيد كفالة مع عدد من أبناء الأسر الكبيرة ومع أن عقد هذه المعاهدة كان خطوة كبيرة في سبيل القضاء على مملكة غرناطة، فإن فرديناند رأى قبل عقدها أن يستغل أسر ملك غرناطة وأن يستعين به على تنفيذ برنامجه الحربي. وكان أبو عبد الله أميراً ضعيف العزم والإرادة، قليل الحزم والخبرة، كثير المطامع والاهواء، ولم يكن يتمتع بشيء من تلك الخلال الباهرة التي امتاز به أسلافه وأجداده العظام بنو الأحمر، وكان الملك والحكم غايته يبتغيها بأي الأثمان والوسائل. وقد ألفى ملك قشتالة القوي في ذلك الأمير الضعيف المستهتر بحقوق أمته ودينه، أداة صالحة يوجهها كيفما شاء، فاتخذه وسيلة لبث دعوته بين أنصاره ومؤيديه في غرناطة وغيرها، وليقنع المسلمين بأن الصلح مع ملك قشتالة خير وأبقى، وسير ملك قشتالة في الوقت نفسه قواته في أنحاء مملكة غرناطة لكي تنتزع أثناء الاضطراب العام كل ما يمكن انتزاعه من القواعد والحصون الإسلامية، فاستولت على عدة منها، ونشبت من جهة أخرى في غرناطة حرب أهلية لم تكن بعيدة عن وحي أبي عبد الله وحزبه، وقامت (البيازين) ضاحية غرناطة بدعوته، وشغل ملك غرناطة (أبو عبد الله الزغل) بإخماد الثورة عن مقاتلة النصارى. وفي نفس هذه الآونة العصيبة أطلق فرديناند سراح أبي عبد الله بعد أن ارتضى عقد المعاهدة التي عرضت عليه مع تعديل يسير في بعض نصوصها، وبعد لقاء تم بين الملكين في قرطبة أعلن فيه أبو عبد الله خضوعه وطاعته لملك قشتالة، واتفق أن تكون الهدنة لعامين وأن تطبق في جميع الأنحاء التي تدين بالطاعة لأبي عبد الله. وظهر أبو عبد الله يبث دعوته في الأنحاء الشرقية والحرب الأهلية قائمة في غرناطة (أوائل سنة ٨٩١هـ - ١٤٨٦م) وبدأت المفاوضة بينه وبين عمه (ملك غرناطة) في الصلح. ولكن حدث أثناء ذلك أن هاجم النصارى مدينة لوشة جنوب غربي غرناطة واستولوا عليها (جمادى الأولى سنة ٨٩١هـ) وكان موقف أبي عبد الله ' ثناء هذه الحوادث مريباً؛ وكان يمزج الدعوة لنفسه بالدعوة لملك قشتالة، وشيد بمزايا الصلح المعقود معه، ولم يكن خافياً