وبالجملة فهي شعور الشاعر تجاه ما يحس وما يرى، وناهيك بإحساس الشاعر المرهف، ونظره الفاحص المستوعب، وكأن هذا هو الذي أطمع الشاعر في أن يقول:
كل بشعري واجد نفسه ... ففيه أسرار الورى المودعة
وقد يكون في هذا إسراف من الشاعر في جانب قرائه، ولكنه لا شك ليس بإسراف في جانب شخصيته هو، فأنا لا أعتقد أن كل إنسان سيجد نفسه في شعر الشاعر الصافي، وإن كنت أعتقد أنك ستجد نفس الصافي في هذا الشعر شفافة مترقرقة، وحسب الشاعر الخالد هذا، وحسب الصافي أن يقول في الكشف عن نفسه:
عندي عيوب بنفسي سوف أظهرها ... لأن إخفاءها مكر وتدجيل
والعيب يجدر أن يبدو ليعرفه ... كل الأنام فلا يعروه تضليل
إني وإن كنت في جهل له صغرت ... نفسي فأجهل مني العصر والجيل
بعوضة أنا في الدنيا وحين أرى ... بعض الورى فكأني بينهم فيل
وأن يقول:
أنا طائر لا يرتضي الأرض مسكناً ... كأني بين الجو أبحث عن عرش
ولكن دهري قص جنحي وأرجلي ... فما حال طير لا يطير ولا يمشي؟
ويعجبني من الصافي روح متمردة على التقليد بين قومه فيقول:
تقلد يا شرقي غيرك دائباً ... فتحسب موجوداً وما أنت موجود
لقد سلبك التقليد عقلك كله ... فشخصك موجود ورشدك مفقود
تقلد في أكل وشرب وملبس ... ويعروك للتقليد في الليل تسهيد
تقلد حتى في انتحار وميتة ... فعيشك تقليد وموتك تقليد
وإنه لينكر ذلك التقليد على نفسه فيقول:
كم سرت متبعاً غيري لتهلكة ... وكم ندمت لدن أحسست بالألم
ندمت دهراً ولكن لم يفد ندمي ... وهاأنا نادم دهراً على ندمي
وأحب أن أنبه الشاعر الصافي إلى العناية بالأسلوب، فإن قوة الأداء وروعته ضرورة لازمة للشاعر حتى يستطيع أن يؤثر، ولا شك أن اللفظ قوة تشد أزر المعنى وترفع من قيمته، ولكن الأستاذ يتهاون في هذه الناحية حتى ليهمل حق اللغة في بعض الأحيان، وحتى