للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ألم يأنِ لكم أن تخشع قلوبكم، وتلين أفئدتكم؟ أفقدت من حجر؟ إن آيات (الزيات) البينات تلين الحجر، فما لقلوبكم ما رقت ولا لانت؟ إلا تكلفون نفوسكم تحريك أجفانكم وفتح عيونكم لتروا صرعى البؤس، وضحايا الفاقة، ماثلين لكم في كل سبيل، فتأخذكم بهم رحمة الإنسان، وتعرو قلوبكم لهم رقة المؤمن؟ أني لأحاول أن أفهم كيف تزينون لأنفسكم حالكم، وتبررون أعمالكم، فلا أستطيع. . . لا أستطيع أن أتخيل كيف يهنأ صاحب القصر بطعامه وشرابه، وكيف يدلل صبيته ويضاحك عياله، وعلى عتبة قصره، وتحت شبابيكه، صبية مثلهم برءاء، ما جنوا ذنباً، أطهار ما كسبت أيديهم جريرة، يبكون من الجوع ويشتهون قطعة من الرغيف الذي يلقيه الغني لكلبه السمين، يتمنون ويتمنى آباؤهم قرشاً من الجنيه الذي يرميه الغني في الهاوية الخضراء التي يسموها (مائدة القمار) أو يذيبه في كاس السم التي يدعونها (الشمبانيا) ثم يخرج جنيهاً غيره بعد لحظة ليتبعه الأول، ويتبع به عشرات. . . يتمنون هذا القرش الواحد ليعيشوا به يوماً، ويملئوا به بطونهم خبزاً، فكيف تضنون على الإنسان المسكين بالقرش، وتنفقون الألوف على الشيطان، وعلى خراب الأبدان والأوطان والأديان؟

إننا نقرأ في الصحف من أنباء أوربا وأمريكا أن لأغنياء لقوم مآثر وعطايا، ولهم في كل مكرمة السهم الراجح والقدح المعلّى، ونسمع أن فيهم من يعطي العطية وهو مستتر مستحٍ لا يحب أن يدعى باسمه، وإنما يتسمى من التواضع والحياء بـ (فاعل الخير). . . فما لأغنيائنا الذين يقلدونهم في عيوبهم ومثالبهم، لا تشبهون بهم في مزاياهم وفعالهم؟ وما لأغنيائنا دون أهل الأرض قد اختصوا (بفضيلة. . .) الترفع عن الفقراء، والتعالي على أبناء هذه الأمة التي انحدروا منها وبفضلها عاشوا، وإنكارها إنكاراً ظنوا معه أنهم من طينة غير طينتها، وأن الله صنعهم من الأسمنت حين صنع البشر من الطين، وأنهم أنباء ماء السماء والناس بنو (ماء الأرض. . .؟).

أكانت علة ذك أنهم شرقيون، وكان لسبب هذا الشرق المظلوم، المتهم بكل نقيصة؟

قد يقول ذلك المفتونون بالغرب من ضعاف الأحلام ومرضى العقول، في حين أن الكرم والإيثار بضاعة شرقية، من الشرق قد صدرت. . . ولقد بلغ بالعرب حب اكرم مبلغ الإفراط، وزاد حتى كاد ينقلب نومة يؤخذون بها، فكيف يستقيم في المنطق (مع هذا) أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>