للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهي إذا دبت إلى العلم والصناعة ارتقت بالمصريين، ولكنها إذا تمكنت من الفن المصري مضغت مصر وقذفتها إلى المحتكمين بها لقمة سائغة.

وقد يكون من الخير للإنسانية كلها أن تندمج وأن يتوحد ذوقها وحسها، ولكن يظهر أن هذه أمنية يصعب تحقيقها، ويظهر أيضا أن تحقيقها لن يتم إلا إذا سرى قانون بقاء الأصلح، فإذا كان هذا حقاً فإنه يتعين علينا أن نجاهد كي نكون من الصالحين حتى لا تلتهمنا الإنسانية إذا كانت ماضية إلى التوحد. وأنها لماضية إليه. وكل الدلائل تدل على هذا المضي وإن كنا نظن أن الفن وحده هو الذي سيبقى مميزاً لأصحاب الأوطان المختلفة بعضهم من بعض، وإن كان هذا التمييز سيتقلص كثيراً حتى ينحصر في شكل الفن وأسلوبه وبعض روحه إلى أن يشاء الله غير ما شاء منذ جعل الناس شعوباً وأمماً ليتعارفوا.

وعلى أي حال فنحن لا نزال في حاجة إلى فن مصري قوي. وهانحن أولاء رأينا أن الشعب المصري مفطور على الفن بطبعه: خلقته فيه بيئته وأرضه؛ فهل استطاع المتصدون لإبداع الفن في مصر هذه الأيام أن يشبعوا هذا الشعب فناً مصرياً؟

هل يقرأ المصريون من أهل البيئات المصرية المختلفة ما يكتبه أدباؤنا المصريون؛ وهل يفهمه ويحسه الأميون منهم إذا قرى عليهم؟ وهل يستطيع المصريون أن يستمتعوا بالصور التي يرسمها رساموهم؟

وهل يتغنى المصريون بهذه الأغاني التي يرتلها المغنون اليوم؟ وهل ينشد المصريون هذا الشعر الذي يكتبه شعراؤهم وهل يعطفون عليه ويحبونه؟

هل يقرر الواقع شيئا من هذا؟ كلا؟ فالواقع يقرر أن أهل الفن عندنا في واد وأن الشعب المصري في واد. ويظهر أن ذلك راجع إلى نهضة الفن عندنا صاحبت نهضة الثقافة فخرج الفنانون المصريون من بين المثقفين، والثقافة المصرية الحديثة كما هو واضح ثقافة مترجمة منقولة؛ وليتها كانت مترجمة عن أصل واحد قريب من طبعنا، وإنما هي أمشاج من ثقافات شعوب مختلفة لكل منها ذوق ولكل منها طبع. ولقد كان هذا الاضطراب سبباً في اضطراب العقل المصري المثقف، واضطراب النفس المصرية المثقفة. فالفنان المصري المثقف يخرج فناً قد عبثت به الثقافة المضطربة هذه فهو كالخيط المتباعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>