الأخلاط، وليس كالمزيج الذي اندمجت عناصره فأصبح بهذا الاندماج عنصراً جديداً له ذات جديدة وكيان جديد.
لهذا يستوحش المصريون هذه الفنون المثقفة، ولهذا يحب المصريون فنونهم الساذجة البلهاء التي ينتجها فنانون لا يعرفهم المثقفون وقد لا يعرفهم الشعب نفسه وإن كان يتعشق فنونهم لهذا كان علينا إذا أردنا أن ننشئ الفن القومي أن نسلك سبيلاً من سبيلين: فإما أن نصبر على هؤلاء الفانون المصريون من غير المثقفين حتى يروقوا وينضجوا فيحتلوا مكانتهم التي تؤهلهم الطبيعية لاحتلالها ويكون هذا أمراً طبيعياً لا يعترضه معترض، وإما أن نحز نفوس المثقفين من أهل الفن عندنا ليتيقظوا من ثقافتهم وليعودوا إلى الطبع المصري، وأظن أنه ليس من العسير على الإنسان أن يسترد نفسه، وأن يسترجع أصله، وأن يستعيد طبعه وأن يغسل نفسه مما لصق بها من الزيف.
ها هي ذي مصر أمام الرسام، وهاهي ذي بيئاتها المختلفة ماثلة أمام عينيه بما فيها من ناس وحيوان ونبات وجماد، وهاهي ذي أخلاق أهليها وعاداتهم تناوش نفسه ما دام يعايش أهلها ويعاشرهم. أفلا يستطيع الرسام المصري إذن أن يقف وقفات كثيرة عند مظاهر كثيرة ومعان كير من مظاهر الجمال ومعانيه في هذه البيئات المصرية المختلفة؟! إنه يستطيع لو أنه فتح عينيه واستقبل الصور التي تتلقيانها بنفس مصرية. ولا ريب أن هذا القارئ قد لحظ أن عقائد المصريين - مثلاً - لا تزال بعيدة عن التصوير المصري. فمن من المصريين رسم صوراً لقصة السيد البدوي! وللسيد البدوي عند المصريين أقاصيص فيها مواقف تستحق الرسم والتصوير؟ ومن من المصورين المصريين صور الحاوي المصري؟ ومن منهم صور (شيخ الطريقة) ومن منهم صور (بطولة أحمس) ومن منهم صور (غزوة السودان) و (أهل الكهف) و (زفة العروسة) و (رقصة البدو) و (صيد الترسة) و (معركة في الإسكندرية) و (البحث عن أم الحلول) و (صانع القلل) و (عامل المحلة) و (نكتة رشيد) وما إلى ذلك من الموضوعات المصرية البحتة التي لو أخرجت في ألوانها المصرية الطبيعية الصحيحة لأرضت كل إحساس وكل فكر.
وهاهي ذي مصر عند سمع الموسيقى: لماذا لا يغني أهل الصعيد هذه الألحان التي تصاغ في القاهرة؟ ألأن لهم لهجة في الكلام غير لهجة القاهريين؟ كلا، فلهجات الكلام لم تكن يوماً