ولم يعد في عرف الأمم الحاضرة ضرورة لحماية الأطفال والنساء من خطر الطيارات. وقد بطل العمل بالقوانين التي تمنع الاعتداء على المستشفيات وأماكن التعليم والعبادة، وأملت الوحشية على تلك القلوب المتحجرة أن الخسائر التي تحلها الطيارات بالنفوس البشرية عمل من أعمال الإنسانية حيث تقضي عليها في أمد قصير!
ولا يباح الآن للأمة الصغيرة أن تضع سياستها بنفسها، ولكن الأمم القوية هي التي تضع لها السياسة التي تسير عليها، فإذا رفضت أن تعمل تحت إمرتها كان رفضها كافياً لتدميرها. ولقد فقدت ثقة كل أمة بمقاصد جاراتها فلا ثقة اليوم إلا بالتسليح.
إن ما انتهت إليه حال عصبة الأمم، وما كان يوضع فيها من الآمال والمبادئ السامية التي أصبحت أثراً بعد عين، لما يدعو إلى الأسف الشديد.
ولقد رأينا كيف يقضي على حقوق الفرد ويعتدي على حرية الرأي حتى أصبحت أسماء لا مسمى لها في بلاد كألمانيا وروسيا وإيطاليا، واصبح كل نقد يوجه إلى هذه الحال يقابل بمنتهى الشك وهكذا حيثما وجهنا النظر وجدنا المدينة تتدهور يوماً بعد يوم والعالم المضطرب يسير وسط هذه الزعازع كسفينة بغير سكان، يقودها ملاحون مخبولون نحو الهاوية التي ستدفعها إلى القاع.