أطواره. يكشف بجلاء عن كثير من الحوادث التي أثرت فيه ووجهته، ويوضح حوادث أديبة هامة مرت على أعين قراء العربية دون أن يتبينوا حقيقة دواعيها، ولم يأخذوها على وجهها الصحيح. ثم هو تفسير لابد منه لأدب الرافعي عامة ولعيون كتبه خاصة لابد لفهمها من قراءة فصوله.
ولقد قرأت (حياة الرافعي) منجمة على صفحات الرسالة، ثم قرأتها مجموعة في الكتاب، فكان لي فيها بعض الرأي، أحببت أن أبديه في هذه الكلمة وفاء للرافعي، وتقديراً لعمل أحد أولئك الشبان الذين يحسنون ويجيدون ثم يضيع إحسانهم وإجادتهم وسط دوي الأسماء الضخمة في هذا البلد.
لقد بينت فيما سبق قيمة الكتاب من حيث هو كتاب. على أن فيه حسنات أخرى كثيرة لو ذهب القارئ المتمعن يحصيها لاستغرقت مقالة على حدة. ففي الكتاب تمحيص للحوادث دقيق، وفيه اتزان ونزاهة في الحكم، وفيه لطف في العرض، وفيه أسلوب مشرق لا يستغرب من أحد أصحاب الإمام الرافعي، وفيه ما يضطر القارئ الدارس إلى الالتفات والوقوف.
على أن في الكتاب بعض ما كان ينبغي أن يسلم منه، وهذا ما نحب أن تنبه إليه، فإن جودة العمل محسوبة على ميزان النقد، والجمال المفرط يظهر أبسط القبح، وأشد ما تكون الذبابة إيلاماً أن تقف على وجه حسن.
ففي الكتاب بعض هنات في الترتيب والتبويب، أتت من أن المؤلف النابه كتب مادة كتابه مقالات في أول الأمر، ثم لما عن له أن يجمع تاريخه مسلسلاً في كتاب تقيد بترتيبها في المقالات فكان في بعض فصول الكتاب ما هو قلق في موضعه يحتاج إلى تقديم أو تأخير. فما موضع فصل (بين أهله) بين فصلي (شعراء عصره) و (من الشعر إلى الكتابة)؟ أليس موضعه الطبيعي بعد (في الوظيفة) حتى تتساوق فصول الرافعي الأديب؟ والحديث عن الرافعي الشاعر موزع بين فصول عديدة متفرقة ولو جمعت كلها بعضها إلى بعض لكان أجدى على وحدة الكتاب. وفصل (شعراء عصره) وهو أشبه بفصل (في النقد) وقد نبه المؤلف إلى ذلك، فأشار إليه عندما بدأ يتحدث عن الرافعي الناقد، وفصل (في النقد) مجزأ غير متتابع لأنه نشر في الكتاب كما كان في المقالات ولم يدمج بعضه في بعض، وفي