أوائل الفصول كثير من وصل ما انقطع كان ضرورياً في المقالات المتباعدة وهو في الكتاب المتلاحق تعطيل للقارئ ومضايقة له، وأشد ما يظهر ذلك في فصل (في النقد)، وفي الكتاب بعض تعبيرات لا تتفق مع أسلوب كتاب كأن يقال:(وهذا له موضع غير هذا المقال) مع أن الكتاب لا يكون فيه مقالات وإنما يكون فيه فصول، ولو لم يتقيد المؤلف بمقالاته في الرسالة ذلك التقييد الشديد لقال:(وهذا له موضع في غير هذا المقام) أو في (غير هذا الفصل).
وفي الكتاب بعض الآراء والحقائق تستوقف نظر القارئ المتمعن، تشير إليها على حساب ترتيب ورودها في الكتاب
ففي ص ١٣ إشارة إلى حارة سيدي سالم قال عنها المؤلف إنها (حارة ضيقة أوى إليها السيد البدوي أول ما هبط من طنطا منذ ألف سنة). وقد كان قدوم السيد إلى طنطا في سنة ٦٣٤ للهجرة أي منذ ٧٢٤ سنة فقط. وليس هذا من صلب الكتاب ولكنه ما يحسن تصحيحه.
وفي ص ١٩ يقول المؤلف إن الرافعي (كان بلغته ولهجته كأنه لم يقدم من سوريا إلا منذ قريب) وهو قول لا أظن الأستاذ يعني به ما يفهمه القارئ منه، فان لهجة الرافعي - كما سمعناه يتحدث - لم يكن فيها أي أثر للهجة السورية. وكل ما يستغرب منها هي تلك النغمة الحادة التي تشبه الصراخ، والتي أشار المؤلف إلى أنها من آثار ذلك المرض التي أصابه في شبابه، فيها حبذا لو أعاد الأستاذ تحقيق هذه النقطة بالرجوع إلى تصوره وهو أعلم بها على كل حال.
وأستند المؤلف النابه فكرة الحب عند الرافعي إلى ما قرأ من أشعار العذريين من شباب العرب. فهل لم يقرأ الرافعي غير أشعار العذريين مع كثرة ما تناول من دواوين الشعراء. ولماذا لم يتأثر بشعراء (الأغاني) وقد قرر الأستاذ أنه كان دائم النظر في هذا الكتاب وفيه من الشعر والأخبار ما فيه. أليس الأجدر أن يستند ذلك إلى نشأته الدينية التي أشار إليها المؤلف (ص٢٢) وإلى تقاليد أسرته وإلى أنه نشأ تبعاً لكل ذلك (عفيف النظر والشفة واللسان).
ثم ألا يرى المؤلف معي أن عدم شهرة الرافعي بين عامة القراء ليست راجعة إلى أناته