ما حسبه بعض المتحذلقين نهاية الإبداع بالاحتفاظ بالحركات النحوية في أواخر الكلمات وبخاصة عند الوقف فتأتي الحركة نافرة كأنها الشجي في حلق المتكلم أو كالقرار الموسيقي الإفرنجي المقطوع على بقية كذَنبْ كلب الراعي
أما الأصل الثاني فرطانة جميع لغات الدنيا نازلة منزلة الضيف غير المحتشم على مخارج حروفنا وموسيقى مقاطعنا
إن الفرنسي عندما يتكلم بلغة أجنبية لا يكاد يتلفظ بجملة واحدة حتى تسمع لغة أمه نافرة بغنتها من فمه مشوِّهة اللغة الأجنبية، وهكذا الإنجليزي والألماني والإيطالي الخ. .
أما نحن أصلح الله عيب التقليد فينا، فإننا نتكلم لغات العالم محتفظين لكل منها بفصاحتها، وبيننا من يبزُّ الإنكليز والفرنسيين بنقاء لهجته، غير أن الكثيرين ممن تلقوا العلم في المدارس الأجنبية أو تسَّنى لهم أن يمضوا ولو مدة صيف واحد في أوربا تُشلُّ عضلات أحناكهم أو تتشنج أعصابها فيأتون السامعين بعجائب الفصاحة وغرائبها حتى ليصعب عليك لأول ما يطلق الخطيب أو الشاعر صوته في الراديو أو على المنبر أن تتميز اللغة العربية فيما يقول، ولكم من عربي ابن عربي بيننا نحسبه أحد الآباء القادمين من فرنسا أو أحد المرسلين من إنجلترا. . .
دخلت امرأة أجنبية إلى مخزن لتشتري قماشاً فطلبت من المستخدم أن يريها بضاعة شرحت أوصافها على قدر ما تسمح لها معرفتها بالعربية فأوردت ضمير المخاطب بدل ضمير الغائب وقلبت المذكر مؤنثاً والمؤنث مذكراً، واستبدلت بالفاء والعين والقاف حروفاً من لغتها فإذا بالمستخدم العربي يتقدم مدلياً ببيان طويل عما لديه من الأصناف باللغة التي خوطب بها دون ارتكاب خطأ واحد فوقفت السيدة تتفرسه قائلة:
- آجيب هو انتي من مملكت بتاع أنا.
وإذ أجاب المستخدم نفياً أطلقت لسانها بالسباب والشتم وخرجت من المخزن معتقدة أن حضرته يهزأ بها ويقلدها ليحتقرها.
مسكين هذا المستخدم، أنه ساير الأجنبية تملقاً بقصد تصريف بضاعته، فأية بضاعة يريد تصريفها بعض المقلدين بيننا حتى من رجال الأدب، وأي معنى لهذه المسايرة السخيفة التي تضحك الأجانب أنفسهم.