للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المنتصر فيقول: (إذا الأخرق العجلان خيفت بوادره) ويقول:

ولا وأل (المشكوك فيه) ولا نجا ... من السيف ناضي السيف غدراً وشاهِرُهْ

وهذا يشمل المتهم بالتحريض غدراً وهو المنتصر ويشمل الذين شهروا السيف وقتلوا المتوكل وهم الذين مدحهم البحتري بعد ذلك. ورب قائل يقول: أن الشاعر لا دخل له بالسياسة فهو يمدح الحكومة القائمة. ولكن البحتري لم يكتف بمدح كل حكومة كانت قائمة بل كان يهجو الحكومة التي قُضِيَ عليها. وقد رأينا هجاه للمنتصر في رثائه للمتوكل فانظر كيف يمدحه ويقول:

سروا موجِفِين لسعي الصفا ... ورمي الجمار ومسح الحجر

حججنا البنية شكراً لِمَا ... حبانا به الله في المنتصر

أي أنه حج كي يشكر الله على أن المنتصر تولى الخلافة وهو الذي يصفه في المرثية بالأخرق العجلان ويرجو أن لا ينجو من أن يُقْتَل بالسيف لأنه متهم بالتحريض على قتل أبيه، ولم يكتف بالحج شكراً بل وصف المنتصر بالحلم بعد وصفه بالخرق فقال:

من الحِلْمِ عند انتقاض الحلو ... م والحزم عند انتقاض المرر

تَطَوَّل بالعدل لما قَضَى ... وأجمل في العفو لما قدر

ودام على خُلُقٍ واحد ... عظيم الغناء جليل الخطر

ويقول:

ولكنْ مُصَفىًّ كماء الغما ... م طابت أوائله والأخَر

تَلافَى البرية من فتنة ... أَظَلَّهُمُ ليلها المعتكر

رددت المظالم واسترجعت ... يداك الحقوق لمن قد قُهِر

وآل أبي طالب بعد ما ... أذيع بسربهم فابْذَعَرْ

وصلتَ شوابك أرحامهم ... وقد أوشك الحبل أن ينبتر

وهذا المدح طويل جيد، ولا يقل صناعة عن مدحه للمتوكل بل أن فيه تعريضاً بحكومة المتوكل وهجاءً له، إذ أن المتوكل هو الخليفة الذي غالى في اضطهاد آل أبي طالب. وقوله (رددت المظالم) هجاء صريح للحكومة السابقة، وقال:

بقيت إمام الهدى للهدى ... تُجَدِّدُ من نهجه ما دثر

<<  <  ج:
ص:  >  >>