فإذا كان الهدى قد دثر وجدده المنتصر فمعنى ذلك أن المتوكل هو الذي كان الهدى في عهده مندثراً.
وفي مدح العباس بن المستعين يقول:
تَوَلًّتْهُ القلوب وبايعته ... بإخلاص النصيحة والوداد
هو الملك الذي جُمِعَتْ عليه ... على قدر محبات العباد
بعد أن كان لا يرضى بعد المتوكل خليفة إلا بالمعتز ابنه، وقد قال في ذلك (وإني لأرجو أن تُرَدَّ أموركم الخ)
وفي مدح المستعين يقول:
تِلْو رسول الله في هَدْيِهِ ... وابن النجوم الزهر من آله
وهذا ليس مدحاً شكلياً لكل حكومة قائمة بل هو يُمَثِّل عاطفة الولاء الشديد والاقتناع بالصلاح وإلا ما قال (تلو رسول الله)
وبعد أن جعل المستعين مثل رسول الله عاد بعد تعذيب الجنود له وقتله فقال: (وما كانت ثياب الملك تخشى الخ) وقال أيضاً فيمن شبهه قبل ذلك برسول الله:
ثقيل على جنب الثريد مراقبٌ ... لشخص الخوان يبتدى فيواثبه
إذا ما احتشى من حاضر الزاد لم يبل ... أضاَء شهاب الملك أو كلَّ ثاقبه
تخطَّي إلى الأمر الذي ليس أهله ... فطوراً ينازيه وطوراً يشاغبه
وبعد قتل المعتز مدح أيضاً الحزب المناوئ له وخليفة ذلك الحزب وكان في مدح كل خليفة يذكر مدحاً يصح أن يحمل على محمل التعريض بالخليفة السابق الذي كان قد رفعه البحتري إلى السماء كما فعل مع المستعين
وهذه الخطة لم تكن خطته نحو الخلفاء والوزراء فَحَسْب، بل أنه أيضاً صنع النسيب والتشبيب في علوة الحلبية حتى ظن بعض النقاد أنه من أصدق النسيب وهو ليس كذلك، فهو في القصيدة الواحدة يصفها بالصيانة والتبذل فقال:
بيضاء رود الشباب قد غُمِستْ ... في خجل دائمٍ يعصفرها
لا تبعث العُد تستعين به ... ولا تبيت الأوتار تخفرها
وبعد هذا الوصف بالتصون يقول في القصيدة نفسها: