وليلة الشك وهو ثالثنا ... كانت هناتٍ والله (يغفرها)
وعلى فرض صحة حدوث ما يستوجب (الغفران) أيليق ذكر ذلك في النسيب الذي يصفها بالتَّصوُّن؟ وأدهى من ذلك أنه عاد وهجاها أفحش هجاء بقول لا يتفق وما وصفها به من التصون وهو قول لا يمكن الاستشهاد به (صفحة ١٠٩ من طبعة الجوائب) وفيه أنكر عليها التصون والعفة والجمال والأنوثة. وقصته مع نسيم غلامه معروفة إذ كان يبيعه ويقبض ثمنه ثم يعود فيهدد الذي اشتراه حتى يرده إليه هدية كي يكسب المال. ونسيبه فيه نسيب ظاهره الرقة وباطنه فساد الذوق الذي يكون عندما تنعدم العاطفة وتُدَّعى تمثيلاً قال فيه:
أو مِنْ حبي لطيب نسيم، أو ما شابه ذلك إذ لا يُعقَل أنه يكره الرائحة الزكية لأن نسيم الورد اسمه مثل اسم نسيم. ما بقى إلا أن يتغزل في الرائحة الكريهة إجلالاً لوجه نسيم كما يقول. وقال أيضاً فيه:
لم تجِدْ مثل ما وجدتُ وما إن ... صفْت أن أنت لم تجد مثل وجدي
كيف يكون من الذوق والصدق أن يطلب من ذلك المملوك الصغير أن يعشقه ويحس بوجد مثل وجده به والبحتري شيخ كبير والمملوك غلام صغير؟ أظن أن هذه الشواهد كلها تزكي وصفنا للبحتري وكنا لا نريد الإطالة - وهو وصف على أي حال لا يطعن في علو صنعته.
فقد وصفنا في مقالة (صيانة العقيدة من احتيال النفوس) أن النفس البشرية تستطيع أن تخفى عن نفسها قبح رذائلها وأن تزكيها بأن تلبسها لباس الفضيلة أو الدين
ومن نظراته الصادقة أيضاً قوله:
وما القرب في بعض المواطن للذي ... يرى الحزم إلا أن يشطّ ويَبْعُدَا
فقد يكون في البعد من الإبقاء على المودة ما لا يكون في القرب. وهذه النظرات الصادقة ليست قليلة في شعره بالرغم من فساد نظرته أحياناً. وأختم قولي عن البحتري بأن أعيد