ما أضعف الإنسان لولا همة ... في نُبْلهِ أو قوة في لبه
إذ يعجبني منه اختصاصه النبل بالهمة واللب بالقوة وجعل قوة الإنسان في همة نبله كما جعلها في قوة لبه
والغريب في أمر البحتري أنه قد يخطئ في المعنى إذا كان نسيباً ويصيب فيه إذا كان مدحاً كان الرُّغْبَ في قلبه أشد من الحب. انظر كيف فسد ذوقه في قوله في النسيب وقوله في مملوكه نسيم:
إني لأضمر (للربيع) محبة ... إذ كنتُ أَعْتَدُّ الربيع أخاكا
وأصابته في البيت الثاني كانت خليقة أن تجعله يقول في البيت الأول أنه يحب نسيم الورد لمشابهة الورد للنسيم، كما أحب الربيع لمشابهته للممدوح، ولكن له سقطات في وصف الأحاسيس وما تقتضيه من القول شان القائل بالصنعة لا بالعاطفة وأن كان أميراً لها. وأدهى مما ذكرنا أن عظيماً من بني حميد ماتت ابنته فحزن لموتها فنظم البحتري قصيدة يعزيه فيها فقال أن العاقل ينبغي ألا يحزن لموت أنثى أيَّة كانت لأنها قد تجلب العار:
واستذلّ الشيطان آدم في الج ... نة لَّما أغرى به حَوَّاء
والفتى مّنْ يرى القبورِ لَما طا ... ف به من بناته الأكفاء
نعم أنه يُعرِّض بمعنى العار ولا يصرح ولكنه تعريض كتصريح، ففي القصيدة يقول: أن أعاظم العرب ما كانوا يئدون بناتهن فقراً (بل حَمِيّةً وإباء) وذكر احتمال العار كي يعزي به أباً حزيناً على فقد ابنته، والمُعزَّى من أعاظم الناس والفتاة التي ماتت من كريمات النساء. فساد في ذوق الصانع حتى مع احتمال حدوث العار لو عاشت إذ يكون من فجاءات الحياة التي لا تتفق وكرم محتد التي يرثيها. هذا هو خطأ ذكاء الصنعة، أما إذا أسلم نفسه لذكاء الطبع والبصيرة النفسية (السيكولوجية) أتى بنظرات صادقة في النفوس والحياة مثل قوله:
إذا أحرجت ذا كرم تخطَّى ... إليك ببعض أخلاق اللئيم