استحدثها خليل مطران في نظم الشعر، وتناولت بالكلام العام الأثر الذي تركه مطران بمحاولته التجديدية في جيل من الأدباء الذين نشأوا في عصره وقلت في معرض الكلام ما نصه:
(على أن الأثر - أعني الأثر الذي استحدثه مطران - توضح واستبان في العقد الثاني من قرننا هذا؛ إذ ظهر في مصر شاعران كبيران هما: أبو شادي وشكري. ثم ظهر في أواخر الحرب خليل شيبوب الذي ينفرد من بين كل المتأثرين باتجاهات مطران بأنه لا يزال إلى يومنا هذا أميناً للعناصر التي يقوم عليها مذهب الخليل في نظم شعره. وهو في ذلك عكس زميليه أبي شادي وشكري اللذين استقلا بمذهب لهما في قول الشعر مع الزمن، وأن كان مذهبهما يتقوَّم على أساس من مذهب الخليل، فعبد الرحمن شكري كان ذهابه لإنجلترا سبباً لوقوعه تحت تأثير المذهب الطبيعي الإنجليزي، وكان أن تغلبت عليه نزعة من التشاؤم نتيجة لعوامل تتصل بنفسه. فاستقل بمذهب في الشعر يقوم على أساس التأمل والتفكير الخصب الذي يماشي الشعور العميق الذي يشوبه مسحة من الكآبة. . .)
غير أن هذه السطور رغم ما تنطق من عظيم التقدير لأدب الشاعر الجليل (عبد الرحمن شكري) فإنها لم ترضه. فكتب في المقتطف وفي الرسالة، وعاود الكتابة فيها يناقش مطالعاتنا مقرراً براءة شعره من أثر مطران مبدياً التذمر من نسبتنا نزعة التشاؤم له، محملاً رأينا أنه وقع تحت تأثير المذهب الطبيعي الإنجليزي أكثر ما يحتمل!
وكان بودي أن أصحح الموقف عقب الكلمات الأولى التي كتبها الأديب الفاضل شكري، ولكني لست أملك من وقتي وصحتي ما يملكه هو حتى أبادر إلى التصحيح في حينه، فليعذرني لهذا وهو خير من يتفهم الأعذار.
وقبل كل شيء يستحسن أن أحدد نقطة الخلاف الأساسية. فأنا أقول أن خليل مطران استحدث في الأدب العربي أسلوباً جديداً في النظم يقوم على أساس قول الشعر باعتبار وحدة الشعور واطراد الخواطر وتسلسل المشاعر واتساق المعنى. وأظن أن الشاعر الفاضل عبد الرحمن شكري لا يختلف معي في هذه القضية. ثم إني أقول أن مطران أثر فيمن جاءوا بعده من الشعراء، وأقرر أن هذا التأثير بدا بصورة قوية عقب ظهور ديوانه عام ١٩٠٨، وهذا التأثير يعترف به على شعره الدكتور أبو شادي والدكتور إبراهيم ناجي