كما يعترف بذلك الشاعر الفاضل خليل شيبوب. وهناك روايات مستفيضة ترددت نحو ثلاثين سنة في المجلات والصحف الأدبية في مصر وسوريا ولبنان والمهجر ناطقة بأثر مطران التوجيهي فيمن أتوا بعده من الشعراء المجددين فضلاً عن أثره في بعض معاصريه من شعراء العربية الأعلام، وهذه الروايات تحمل في تضاعيفها فكرة تأثر شكري بمطران، وهي حين تتكلم عن هذا الأثر لا تتكلم عن تأثير شكري بأخيلة مطران وعبارته، وإنما تتحدث عن تأثره بطريقة مطران في النظم: وحدة في الشعور واطراد في الخواطر وتسلسل في المشاعر واتساق في المعاني تترسل بضبط وتتمشى بإحكام في مختلف أجزاء القصيدة أو المنظومة
وإذاً يكون كل تفسير من شاعرنا الجليل يخرج الكلام عن حقيقته وإنكار للواقع لا نرضاه من أديب مثله.
هذا وأنا بصفتي مستعرباً - ويلاحظ هذا أديبنا المفضال جيداً - مهتم بدراسة الأدب العربي في اتجاهاته وتطوراته، ومناحيه، وفي أعلامه، أتخذ طريقة من البحث منهجية، أمزج فيه التحقيق بالافتراض، والاستقراء بالتخيل، فأتناول بعض الأشياء تناولاً - أو قل التحقيق في كل نوع غير مستطاع. لهذا اقف في بعض النقط من دراساتي عند مجمل الشيء دون أن انزل إلى تفاصيله تاركاً التفصيل والتحقيق لمواقف أخرى. ومن المعروف في الأساليب المنهجية أن طريقة الحدس في الدرس ترجع إلى مراجعة سريعة للمبادئ والانتقال دفعة واحدة منها إلى النتائج دون وقوف طويل ولا تحقيق مستفيض في الحلقات الوسطى. وأنا لم أخرج في بحثي عن تأثير شكري بمطران عن حكم هذا النهج؛ فكل المراجع تقرر أن شكري من المجددين كأقرانه تأثر بمطران. وليس في استطاعتي مخالفتها إلا بتحقيق، لأن البحث عن مطران والتحقيق غير مستطاع. لهذا أخذت كلام المراجع قضية أولية في مثل هذا الموضوع الفرعي الذي لا يمكنني أن أستقصيه إلا وانزل لدقائقه وتفصيله، والبحث لا يستلزم مني كل هذا، ولكن للتثبت من صحة هذه القضية الأولية اكتفيت أن انتقل إلى نتائجها الأخيرة، أتحقق من وحدة الطريقة عند مطران وشكري؛ ومراجعة سريعة لديوان مطران ودواوين شكري لا تضع مجالاً للشك في هذه الحقيقة. والفروق الممكن رؤيتها ترجع إلى الاختلاف في الشخصية والأصل الثابت في طبيعة كل