للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منهما كفردين تقوَّم كل منهما بشخصية أصيلة. وعند هذا الحد وقفت على أن أعود إلى الموضوع أحققه في تفاصيله ووقائعه فيما كنت أريد أن أكتبه عن شكري من دراسة.

على هذا الوجه تتضح المقدمات الأولية في بحثنا التي جعلتنا نقدر تأثير شكري بمطران. ويستبين من ذلك أنه ليس هنالك في فكرنا ما يتوهمه الشاعر الفاضل شكري من تقليل من شانه، وأنه لم يدر بخلدنا أن ننتقص من أمره في كلامنا؛ وأن بحثنا مستقيم من مناهج البحث القويمة، لا ضعف في التخرج ولا تهافت في الرأي ولا قصور في النظر إلى جوانب الموضوع كما راح يغمزنا ويغمز دراستنا الأديب الفاضل

بقيت مسألة تتفرع من فكرة تأثير مطران في جيل من الأدباء الذين عاصروه أو جاءوا بعده. وهذه المسألة تقوم على أساس تفهم وجه التأثر؛ فقد يكون التأثر بشعر مطران، وقد يكون بالأثر الذي تركه مطران في المحيط الأدبي. أما عن الوجه الأول فذلك يكون إما باحتذاء مطران في طريقته كما هو الحال عند شيبوب، أو التأثر بالطلاقة الفنية عند مطران كما هو الحال عند أبي شادي، أو التأثر بجو شعر مطران وأخيلته كما هو الحال مع إبراهيم ناجي. وهذه الحالات كلها وأن تباينت فيما بينها، إلا أنه يجمعها شيء واحد هو التأثر المباشر بشعر مطران. أما عن الوجه الثاني فبيان ذلك في مجاراة النسق الجديد الذي أتى به مطران؛ نزولاً على أحكام الجو الأدبي والبيئة الفنية التي تطعمت بمحاولات الخليل التجديدية. ومثل هذا واضح في محاولات أحمد شوقي في إقامة طرز جديد من الشعر في الفترة التي جاءت عقب الحرب العظمى. ولا يعترض علينا بأن الحاجة كانت ماسة لهذه الضروب من الشعر نزولاً على أوضاع الحياة الجديدة التي دلف إليها المجتمع الشرقي. لأن روح التردد والإحجام عن استحداث مثل هذا الحدث كان يسود المجتمع. فضلاً عن أن الشخصية التي تتقوَّم بأوضاع الحياة الجديدة على وجهها الجديد وتماشي حاجة العصر لم تكن وجدت، لأن الجميع كانوا تحت تأثير سريان الشعر القديم. ولا شك أن العصر من حيث أدرك نفسه في شخص مطران الرائد الأول لحركة التجديد في ميدان الشعر في الأدب العربي، حمّل الجو الأدبي لوناً وجعله يتطعم بصورة جديدة: تلك التي تطالعنا من حركة الجديد اليوم

ولا شك عندي في أن حذق الخليل وتحايله على جمود عصره هو الذي مكن أقدام الشعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>