للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجديد. عناية مطران بأن يكسو شعره ديباجة عربية خالصة، واتخاذه الأغراض الاجتماعية التي تدور عليها الحياة في عصره، هي التي جعلت الناس تتشرب الجديد ولا ترى غضاضة في تذوق أخيلته ومعانيه المستحدثة. والحق يجب أن يقال أنه لولا مطران لما كان لنا أن نرى اليوم تلك المحاولات التي قام بها الشعراء المجددون من شعراء الثقافة الحديثة في مصر

وعلى هذا لنا أن نفهم مناحي تأثير مطران في جيل من الأدباء الذين عاصروه والذين أتوا من بعده ولحقوه. وعلينا لكي ننصف التاريخ الأدبي أن نقدر كل ذلك، وفي ضوئه نصدر أحكامنا وندلي بمطالعاتنا عن الأدب العربي الحديث

وقد حاول الشاعر الفاضل عبد الرحمن شكري في مقاله بالمقتطف أن يخرج بالموضوع عن دائرته الحقيقية إلى بحث في العوامل التي أثرت في نفسه فقومت شخصيته على النمط الذي يظهر في مطالعة شعره. ولست براغب في نقاشه في المسائل التي ذكرها، لأنها من أمس الأشياء بذاته وشخصه، والإخلاص الأدبي يضطرنا إلى تصديقه فيها. ولكن كل الذي أرغب أن أقدره هنا أنه كشف بما كتب عن العوامل التي أثرت في نفسه فجعلته يميل لقرض الشعر؛ إلا أنها لا تبين الأدوار التي مر بها حتى قومته على النمط الجديد الذي يظهر من مطالعة شعره في الدواوين الأخيرة، وفي بعض الأجزاء من روايته الأولى، ولا شك أن شاعرنا لا يعتقد أن شخصيته الأدبية وضحت واستقامت من الأدب القديم بدون أن يكون للجديد أثر عليه. فصحيح أن الأستاذ شكري تأثر بشعراء الصنعة العباسية وبشعر العرب القديم وبشعر البارودي في الطور الأول من حياته الأدبية، وذلك على الوجه الذي أشار إليه في مقاله الأخير بالمقتطف؛ على أن ما استقامت به شخصيته من نمط جديد لا أظنه ينكره، وهذا النمط هو الذي يعنيني ويعني كل باحث في تصرف شاعريته

ونحن نعتقد أن في إمكانه أن يخرج المسألة تخريجاً يوافق دعواه التي يدّعيها، ويقول أن ما ظهر به من نمط جديد إنما يرجع لارتياضه في دواوين الشعر الأوربي، ولكن لكي نصحح هذه القضية يجب على شاعرنا أن يثبت عدم تأثره بمطران في الوجهين المباشر وغير المباشر. وهو يستطيع أن يزعم أنه لم يقرأ مطران وأنه لم يتأثره؛ ولكن لا أظن أن في إمكانه أن ينفي عن نفسه تأثره بالجو الذي استحدثه الخليل في الحياة الأدبية

<<  <  ج:
ص:  >  >>