إلى الحداثة في إقبال أمّةٍ على صناعة التأليف. وأما إنكار النفاسة فمرجعه إلى خفة الثقة بالنفس وما ينشأ عن ذلك من خشية المنافسين. وأما الجهل بفن الكتاب فلتشبث الأدباء بأسلوب واحد.
وتشبث الأدباء بأسلوب واحد أن ينجذبوا إلى طريقة من التأليف أو يهيموا بأدب من الآداب، فيقفوا عندهما ظناً منهم أن ما يليهما أو يخرج عنهما لا وزن له.
وأما تهاون الأديب بالقارئ فملمسه في تلك الكتب التي تخرج للناس وإن هي إلا طائفة من (المسترسلات) مجموعة من المقالات اللاحقة بفن الإنشاء (بمعناه المدرسي) فلن يزال الأدب عندنا قاعداً حتى يدرك الأديب أن المقالات الإنشائية لا تسوّى كتاباً: المقالات للجمهور الضخم، وفيه الأستاذ والبقال وفراش الوزارة، والكتاب للقراء. ثم إن المقالات تهبط بذوق القراء إذا كانوا من الغافلين وتفتُّ في نشاطهم إذا كانوا من العارفين. . . الكتاب ينشر ليبقى فيما أعلم، والمقالات لتذهب، على الغالب. وكل ما تعده للبقاء يستلزم الروية والاجتهاد والمراجعة بل الخلق، والخلق لا يواتيك كل يوم.
إني أكره أن أوافق غيري على أن القراء المصريين لا يقبلون سوى أدب التسلية والإنشاء التعليمي. فإني - وان عرفت جناية منهج دنلوب وأعوانه على نشاطهم الذهني - لأعتقد أن فيهم من يرغب عن الشعر الذي لا تهب فيه عاصفة، ولا يصفق موج، وعن النقد الآخذ بالظواهر دون البواطن، وعن القصة المسرودة سرداً، وعن المسرحية الباكية أو المهذِّبة، وعن المقالة العابرة كما يُقال اليوم، وإن قلتَ: أتحرمني سائر القراء؟ قلت: لك ما تشاء، ولكن الأدب لا يحيا على أيدي قارئ يفتح الكتاب ليستعين به على ركوب قطار السكة الحديدية أو على إغماض الجفن إذا كان ممن يشكون الأرق.
هذا ومن مساوئ العلة الأولى - وهي انطواء الأديب على نفسه - أن أدباءنا يعوزهم التماسك المعنوي. فهذان حادثان كريهان وقعا هذه السنة لأديبين؛ فلم يعضد الأول إلا واحد، وأما الثاني فمن نصره؟ أين الغضب للفكر الحر؟ ألا عسى أن يذكر أدباؤنا أن الفرد مستضعف.
كل ذلك يعلل فتور الحركة الأدبية. ومجمل القول أن الكتاب لا يحدث حدثاً إلا في الندرة، إما لإغفال حملة الأقلام له أم لدقة شأنه؛ وأن القارئ الجدَّ لا يكاد يصيب أدباً رفيعاً يلهج