وقد وقع الشارحان في هذه الغلطة نفسها في ص ١٢٩ حين أورد الجاحظ وصف الجارود لطعام عبد الله بن أبي عثمان فقال:(يُعْرَفُ ويُنْكَر). فقال الشارحان في التعليق على ذلك: ينكر من الإنكار وهو الجحود والمراد يُحَبُّ ويُكْرَه. فجمعا في التفسير اللغوي وبيان المراد بين المعنيين وهما الجحود والاستقباح لأن مقصودهما من قولهما (يُكْرَه) إنما هو أنه مستقبح. فبان من ذلك استساغة الشارحين للمعنيين معاً وجمعهما في تفسير كلمة الإنكار حيث وجدت، مع أنها إذا فسرت بأحدهما امتنع تفسيرها بالآخر في نفس المقام. وهذا ظاهر
ص ١١٤ يحكي الجاحظ عن الحزامي:
(كان يقول: أشتهي اللحم قد تهرأ وأشتهي أيضاً الذي فيه بعض الصلابة
وقلت له مرة: ما أشبهك بالذي قال أشتهي لحم دجاجتين)
فيعلق الشارحان على قوله:(وقلت له مرة) بقولهما: أي لما قال أشتهي اللحم. . وكان مقتضى الظاهر أن يقول فقلت له. اه
يتعب الشارحان أنفسهما في محاولة ربط الكلام بعضه ببعض ولكنهما في سبيل ذلك يعدلان عن صواب إلى خطأ ويحملان اللفظ ما لا يحتمله من المعاني، ويتقولان على القائل ما لم يقل، أو يستظهران ما لا داعي إلى استضهاره. ومن ذلك قولهما هنا: كان مقتضى الظاهر أن يقول فقلت له (أي بدل وقلت)
ونرى أنه لا داعي لهذا فإن عبارة الحزامي (أشتهي اللحم الذي قد تهرأ) كانت هجيّراً، ومن لوازمه المأثورة عنه فقال له الجاحظ في مرة من المرات التي كان يرددها فيها: ما أشبهك الخ.
والدليل على ذلك قول الجاحظ:(وكان يقول) ولو كان قد قالها مرة واحدة كما ظن الشارحان لقال: (وقال مرة) فتكون ملاحظتهما جائزة
فبان أن الخروج عن مقتضى الظاهر لم يكن من الجاحظ وإنما كان من الشارحين
ص ١١٥ يروي الجاحظ قصته فيقول:
(وكنا عند داود بن أبي داود بواسط أيام ولايته كَسْكر فأتته من البصرة هدايا فيها زقاق