للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأسرارها؛ وقد ترك ذلك كله أثره في نفسه وفي أدبه وفي مُثُله وفي مراميه، فهو كان يسخط على الساسة الأثينيين كما كان يسخط يوريبيدز، وكان يبغض هذه الديمقراطية المطلقة الذميمة التي تنهي بمقاليد الحكم إلى طائفة من الاوشاب، أو تترك للأوشاب الهيمنة على تكييف شكل الحكومة باختيارهم أفراداً بأعينهم لا يمكن أن يختاروا سواهم مهما صنعوا بأثينا من الموبقات. . وكان ملحداً بالآلهة أو أشد إلحاداً من يوريبيدز، وطالما استهزأ بمعبودات اليونان وأضحك عليها نظارته بأسلوبه التهكمي اللاذع حتى لم يترك في أتيكا كلها مؤمناً واحداً بأيٍ ما من أرباب الأولمب!

وكان كذلك يدعو إلى السلم كما كان يصنع يوريبيدز، وكان يسوؤه أن يرى إلى هذه المجازر الدامية التي ذهبت بخيرة الرجال وزهرات الشباب في حروب البلويونيز، وقد تغنى في إحدى كوميدياته بهدنة الثلاثين سنة، وبالغ في ذكر ما يعود على جميع طبقات الشعب من الخير بسببها.

إذن لماذا خاصم يوريبيدز؟! هذا سؤال له جوابه فيما يلي:

ولد أرستوفان سنة ٤٥٠ ق. م في قرية (كيد أثينايون!)، ومات سنة ٣٨٥ ق. م، أي أنه عاش خمساً وستين سنة أعطى منها للمسرح وللأدب أكثر من خمس وأربعين، لأنه بدأ نظم كوميدياته وهو فتىً حَدَث السن، فهم يذكرون أن رائعته الأولى (رجال جزلتون)، والتي هاجم فيها التعليم العالي وادعى فيها أنه يتنافى ومكارم الأخلاق!! قد مثلت في المسرح سنة ٤٢٧، أي أنه كان في الثالثة والعشرين حينذاك، ويذكرون أيضاً أنه لم يشترك في رواياته الأولى لا في التمثيل ولا في الإخراج، بل كان يترك ذلك كله إلى صديقه كللستراتوس، وسبب ذلك فيما يروون صغر سنه وعدم إلمامه بأصول الإخراج وعم استطاعته تمرين أفراد الخورس.

والعجيب أنه لم يقتصر على إسناد الإخراج والتمثيل إلى صديقه هذا، بل كان يبيح له أن ينتحل الرواية لنفسه ويدعى أنها من تأليفه!! وقد صنع بطائفة خالدة من كوميدياته - منها الزنابير والضفادع - مثل هذا الصنع، فقد ترك مهمة الإخراج والتمثيل وحق انتحال التأليف فيها جميعاً لصديق آخر يسمى فيلونيدز. . . وكان الصديقان يهشان لذلك ويبشان لفوزهما بالشهرة الكاذبة، ثم لتناولهما أجر الإخراج من الحكومة وهو أجر يقولون إنه كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>