ولا يمكن - أو قد يكون من الصعب العسير - أن تمثل الكوميديات اليونانية اليوم في مسارحنا؛ أولاً لأن أذواقنا تستنكر أسلوب هذه الكوميديات الفاضح الذي يخرج في الغالب عن آداب مجتمعنا؛ وثانياً لأنها جميعاً كوميديات محلية تدور حول طقوس دينية لا نعرفها وتتناول عادات سحيقة في القدم لا نلم بها، وثالثاً لأن نكاتها إن احتفظت بقليل من الاحتشام - وهذا في النادر - إلا أننا لا نفهمها في سهولة ويسر. . . ورابعاً، لأن المسرح اليوناني كان أليق لعرض هذه الكوميديات من مسرحنا الحديث، لأن المسرح اليوناني كان أشبه بالسيارك الجوالة التي نراها اليوم والتي تصلح لعرض الحمير والضفادع والقرود والتنانين وما إلى ذلك مما تفيض به الكوميديات اليونانية. وخامساً، لأن طريقة الأداء التي كانت تعرض بها الكوميديا اليونانية، أو طريقة تأليفها بقول أصح، هي غير الطريقة التي تؤلف بها كوميدياتنا الحديثة.
فالكوميدية الحديثة تتركب من أربعة أجزاء قد لا نسيغها نحن اليوم. فالجزء الأول هو عرض عام لموضوع الملهاة وتفسير للأشكال التنكرية التي يتخذها الخورس أو بعض الممثلين، ويلي ذلك (خطاب الشاعر) الذي نظم الرواية ويلقيه الخورس، ويتضمن أهم العناصر الهزلية في الكوميديا ويسمى هذه الجزء باليونانية وتتبع هذا الجزء سلسلة غير مترابطة من المشاهد التضحيكية لوصل ما انقطع من حديث الجزء الأول المتعلق بالعرض العام، ثم يأتي بعد هذاالـ أو البسط والتمريح، أي إشاعة الانبساط والمرح في نفوس النظارة، وفيه يستمر الممثلون في الأداء والتطريب والتضحيك حتى تنتهي الكوميدية.
وقد ارتبط أرستوفان بهذا الترتيب في كثير من كوميدياته. وهو وإن لم يخلص من كل الشوائب التي تعيب الكوميدية اليونانية، إلا أنه سما بها شيئاً ما وترفع قليلاً عن إيراد مشاهد الفسق والفجور. ولم يكن كالشعراء الآخرين في طريقة مهاجمة خصومه وإن شذ في معاملة خصمه وأستاذه الأكبر يوريبيدز، فقد يعتبر المسرح الهزلي طريقاً إلى النقد الإصلاحي فيما يعرض له من مسائل السياسة والاجتماع والتعليم وسائر شؤون الحياة العامة، فهو كان يقوم عن طريق المسرح بما تقوم به الصحافة اليوم ولكن بطريقته الفنية التي تفرد بها. . والمحقق أن أرستوفان كان يحفظ درامات يوريبيدز عن ظهر قلب، ولم يكن يكتفي بحفظها فقط، ولكنه كان يعيها وعي الحافظ الدارس الواقف على دقائقها الخبير