وللواشي فطنة بما يؤثر في كل نفس فتراه في بعض الأحايين يتخذ أسلوب التلميح لا التصريح، ويكتفي بالإشارة عن العبارة، لا لرفقه واقتصاده في الشر، بل ليكون قوله أبلغ في الشر، إذ أنه يفطن إلى أن السامع من الذين يفهمون في التلميح أكثر مما كان يبسطه الواشي بالتصريح، ويرون في الإشارة أكثر مما كانت تستفيض به العبارة. ثم إن الواشي يرى في هذا الأسلوب من التلميح احتراساً فيستطيع إذا أُحرِجَ أن ينكر بعض ما فهم السامع أو كله ما دام قوله يحتمل التأويل والتفسير. وفي حالة أخرى يرى الواشي أن الإشارة لا تشغل ذهن السامع ولا تحرك نفسه فيعمد إلى الإطالة والإفاضة والتفصيل والتهويل حتى يكاد السامع يصيبه جنون الخوف أو الغضب من أجل عداء مزعوم أو انتقاص أو تدبير شر أطلعه عليه الواشي فيندفع إلى الشر، وقد يندفع إلى الجرم العظيم، ثم قد يندم أشد الندم ولات ساعة مندم. وتارة يقرن الواشي إلى وشايته وعدا خفياً بمكافأة يجزى بها السامع إذا قبل وشايته؛ ولا نعني مكافأة مالية، وإنما نعني أنه يعده وعداً من وعود المودة والمعاونة والتقديم والإكرام والانتصار له على أعدائه؛ وتارة يُدْخِلْ في ثنايا وشايته وعيداً خفياً يوعد به السامع إذا رفض وشايته، وتهديداً بالعداء إذا عده كاذباً في وشايته وإنذاراً بأنه بعد ذلك الرفض ينصر أعداء السامع عليه أو أنه يُخفي عنه كل ما يدبر له من الشر والكيد فيخشى السامع أن ينقلب الواشي عدواً يناصر أعداءه إذا لم يصدقه أو يخشى أن يصيبه شر من كيد مُدَبَّر يمتنع الواشي من نقل خبره إليه إذا كذبه ولو مرة واحدة فيسرع السامع إلى تصديق الواشي وإكرامه.
ومن أساليب الواشي أنه قد يلاطف السامع ويتحبب اليه، ويكرمه ويمده بنفع، ويطيل في الثناء عليه، ويظهر الحدب عليه، والحزن والخوف من وقوع الشر به حتى يثق به سامعه. ولا شيء تكتسب به ثقة السامع أبلغ من الثناء عليه وذم أعدائه. وإتقان المدح فن قد يُعَدُّ من الفنون الجميلة التي تتطلب صناعة حلوة، وبعد إتقان الواشي مدح السامع ترى ذلك السامع حريصاً على تصديقه كأنه يقول في نفسه هو صادق كل الصدق فيما مدحني به، فلا بد أن يكون أيضاً صادقاً كل الصدق فيما نقله إليَّ من الوشايات؛ ولا يعدها وشايات بل كرامات وهذا هو منطق النفوس البشرية. وإذا أطال الواشي في مدح السامع فقل على الغائب الذي يشي به السلام. فإن كُرْهَ سامع الوشاية لذلك الغائب ورغبته في أذاه وحقده